رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

هذه الدنيا

للزميل والأديب الكبير يسرى حسان مقال مهم نشره منذ سنوات عنوانه: «موتى الصحف الورقية»، يتحدث فيه بأسلوبه الساخر عن محنة الصحف الورقية وعبثية الأوضاع داخل القومية منها، ويطرح صورة لما يحدث داخل غرف الديسك والأخبار، مشيرًا إلى أن من يرى الأعصاب المشدودة وأجواء التوتر ودخان السجائر الذى يغلف الأجواء لا يتصور أن هذا المشهد ينتج عنه مجموعة من الإصدارات محدودة الأثر والانتشار.

وواقع المؤسسات الصحفية تجاوز حاليًا ما رصده الزميل منذ سنوات.. قديما قالوا: من آمن العقاب أساء الأدب.. واليوم نقول فى شأن هذه المؤسسات: من آمن الحساب أساء العمل..

تاريخيًا لعبت المؤسسات دورًا لا يُستهان به فى أصعب المراحل التى مرت بها مصر.. أسهمت فى نشر الفكر والتنوير، وكانت وسيلة تثقيف فعالة، وخلقت حالة من الاصطفاف الوطنى.. ويذكر الزملاء الكبار أن أرقام التوزيع كانت تصل إلى رقم المليون نسخة فى الصحيفة الواحدة خاصة فى الأعداد الأسبوعية منها..

اليوم لا يتجاوز توزيع الصحف مجتمعة رقم ربع المليون نسخة، والأرقام تشير إلى أن المؤسسات القومية الثماني حصلت على مليار و104 ملايين جنيه من الدولة خلال العام المالى الماضى، وهذه الأرقام مرشحة للزيادة فى العام المالى الجديد.. لقد تحولت هذه المؤسسات إلى «محرقة للمال العام» بسبب عدم وجود آلية لتقييم محتوى الرسالة التى تقدمها ومدى قوة تأثيرها مقابل ما حصلت عليه من تمويل.

لدينا 55 إصدارًا تصدر عن المؤسسات القومية، أغلبها لا يتجاوز توزيعه بضع مئات، باستثناء بعض الصحف اليومية التى يلتحق على ذمتها جيوش من البشر، ولا يتجاوز توزيعها بضعة آلاف.

لقد انتهى «زمن المليون نسخة» فى صحافة مصر، واوعوا تعلقوها على شماعة التكنولوجيا والانترنت.. ففى اليابان «أم التكنولوجيا» تحقق صحيفة «يوميورى شيمبون» رقم 10 ملايين نسخة يوميًا، بينما تحتل «أساهى شيمبون» المركز الثانى برقم 8 ملايين نسخة.

القضية أننا لم نطور صناعة الصحافة فى بلدنا بما ينبغى.. وأعود وأكرر أن أصل المشكلة يكمن فى أن أحدًا لا يحاسب أحدًا.. سفريات خارجية تُنفق فيها مئات الآلاف من الجنيهات دون أى تقييم لقيمة الرسالة أو المحتوى الذى قدمه من ركبوا الطائرات وأقاموا فى الفنادق وحصلوا على «البوكيت مانى» بالدولار.. ولهذا ليس مستغربًا أن نشهد تدافعًا محمومًا على تولى المناصب القيادية بها.. دون وجل أو خوف من أن هذه المؤسسات وصحفها بكل الحسابات المالية والإدارية «منهارة».. المهم فقط أن تصبح واحدًا من «أهل الترويسة».. وأن يبدأ العداد مع كل طلعة شمس فى حساب ما سيدخل الجيب من مرتبات وبدلات تتعدد مسمياتها، وسفريات إلى مختلف أصقاع الأرض.. وكله بالدولار..

آخر ما يفكر فيه من يسعى للمنصب الصحفى هو أن يضع رؤية للنهوض بما يريد تولى مسئوليته، وهو معذور، فالمؤسسات تشهد جرأة غير مسبوقة على المال العام، ومن سبقه حقق كل ما حققه وخرج من «باب الجمال» دون أن يسأله أو يسائله أحد.

للمؤسسات القومية نوعان من «الـموتى».. الأول: هم من يستقتلون على كل يوم يتربعون فيه على رأس قيادتها «يجلبون» المنافع و«يحلبون» الخيرات حتى لو كان الثمن «هياكل عظمية» عاجزة عن توفير الرعاية الصحية للعاملين بها.. والنوع الثانى من «الموتى» هم الكفاءات الذين يُهدر عمرهم وخبرتهم ويجرى تهميشهم وسحقهم عن قصد خوفًا من ظهور عناصر قوية، تهدد عرش النوع الأول من الموتى.

 الخاسر فى هذه «المعادلة الصفرية» هو الدولة التى فقدت أحد أهم أركان قوتها الناعمة.

[email protected]