عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هموم مصرية

لأن تركيا «العثمانية» احتلت مصر ما بين 1517 و1805.. وظلت مصر رسمياً تحت السيادة التركية بعد ذلك من عام 1805 إلى عام 1914 عندما أعلنت بريطانيا حمايتها على مصر، أى استمرت السيادة التركية على مصر مدة أربعة قرون بالتمام والكمال، فقد ظلت تركيا تتوغل فى الحياة المصرية حتى إن اللغة الرسمية- فى كل المكاتبات والأوراق الرسمية كانت هى اللغة التركية.. وظلت هذه هى اللغة، حتى إن الوقائع الرسمية، التى أنشأها محمد على باشا، كانت تكتب باللغة التركية فى نصف الصفحة.. ثم باللغة العربية فى نصف الصفحة الآخر.

وبسبب هذا الاحتلال التركى لمصر نجد كثيراً من الآثار التركية، ليس فقط فى الأوراق الرسمية.. بل أيضاً على لافتات المحلات والأماكن.. وكثيراً من الحرف.. نجد كلمات «أجزاخانة» و«سلخانة» أى المذبح، و«كتبخانة» أى دار الكتب، و«عربخانة» أى الإسطبل.. وأيضاً كرخانة، أى مكان إصدار تراخيص مزاولة مهنة البغاء، عندما كان مسموحاً بها وتحت رقابة الحكومة.. وكذلك الدفترخانة، أى دار الوثائق، و«الأنتيكخانة» أى دار الآثار «المتحف».

و«خانة» فى اللغة التركية تعنى مكان، وهى فى حالة الأجزاخانة، تعنى مكان تجميع الأجزاء، والأجزاء هنا هى مكونات الدواء، عندما كانت الأدوية يتم تركيبها، أى تجميعها داخل هذه «الأجزا.. خانة» وهكذا، وإذا كانت معظم هذه المسميات قد انتهت عملياً من حياتنا اليومية.. لكن كلمة أجزاخانة ما زالت موجودة.. وإن كان الأفضل أن نستخدم تعبير «الصيدلية».

وبالمثل نجد كثيراً من الحرف تحمل آثاراً تركية.. مثل «أويمجى» أى فن الحفر على الخشب، فى صناعة الأثاث، ونجد أيضاً كلمة «أسترجى» وهى عملية طلاء الخشب بمادة الأستر.. وهى أيضاً من أعمال الموبيليا، و«القشرجى» أى لصق القشرة على الخشب.. ونجد كلمة «مكنجى» أى الرجل الذى يعمل على الماكينة.. وإن اختص بها صانع الأحذية الجلدية، كما نجد أيضاً كلمة «عربجى» أى رجل العربة الكارو، و«حنطرجى» أى سائق الحنطور، و«العطشجى» أى مساعد سائق القطار الذى يمون فرن القاطرة بالفحم، و«المدفعجى» أى الجندى المكلف بإطلاق المدفع، ولها اسم آخر هو «الطوبجى» و«الطوبجية»، وأصل هذه الأسماء يقوم على حرفى «جى» فى اللغة التركية القديمة، وذلك فى مؤخرة اسم الحرفة أو الصفة.. وهكذا.

ونجد نفس التوغل التركى فى كثير من مسمياتنا، مثلاً «باشمهندس» و«باش شاويش»، يعنى صف ضابط بأربعة شرائط، و«باشحكيم»، أى رئيس الأطباء، و«باش تمورجى» أى رئيس من يعمل بالتمريض، انطلاقاً من أن كلمة «باش» و«باشا» تعنى رئيس الصنعة أو الحرفة، تماماً كما العرف أن «أوسطى» تجىء من كلمة «أستاذ الصنعة»، أيضاً فى التركية والفارسية، وكنا نجد فى الألقاب العسكرية قبل الوحدة المصرية- السورية كلمات مثل «يوزباشى»، أى رئيس مجموعة من العسكر من الضباط.. و«إنباشى» (صف ضابط بشريطين) لأنه يقود عدداً من الجنود، وكذلك «بكباشى» ويقابلها الآن كلمة «مقدم».

تلك هى- وغيرها- بقايا التأثير التركى فى حياتنا اليومية حتى الآن.. وإن كانت سوريا تنبهت قبلنا إلى هذا التأثير النفسى بحكم تصاعد النضال السياسى العربى، فغيرت المسميات العسكرية عندها قبل الوحدة مع مصر.

وبالمناسبة فإن لمصر تأثيرها أيضاً على تركيا.. إذ إن أشهر سوق للعطارين فى أستانبول.. وهو السوق المغطى الشهير.. اسمه سوق مصر!