عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خط أحمر

في وقت من الأوقات كان محافظ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، رجل اسمه آلان جرينسبان، وكان معروفاً بصلعته اللامعة، ونظارته السميكة التي لا تفارق عينيه، وحقيبته الجلدية الصغيرة التي لا تغادر يده، وكانت الصحف تصوره أحياناً وهو ذاهب الى مكتبه، ثم تكتب تحت الصورة تعليقاً يفيد أن العالم يكتم أنفاسه في انتظار خروج هذا الرجل من المكتب في آخر النهار!

وكان التعليق صحيحاً إلى حد بعيد.. فالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يماثل البنك المركزي عندنا.. ومن الطبيعي أن السياسات التي يتخذها البنك المركزي الأمريكي، ويطبقها المحافظ الجالس على قمته، تؤثر بعمق في أنحاء العالم، فإذا كان الرجل الجالس على قمة البنك رجلاً ذا بأس ظاهر من نوعية جرينسبان، كان التأثير مؤكداً، ومُضاعفاً، وشديداً!

وقد شاع وقتها في وسائل الإعلام، أن جرينسبان إذا عطس أصيبت أسواق المال في أنحاء الأرض بالزكام.. وكان هذا بدوره صائباً في معناه.. فمنصب محافظ البنك المركزي مستقل عن الحكومة تماماً في أي بلد، وهو في واشنطن أشد استقلالاً، وأقوى، وأبعد، ولذلك، لم يكن غريباً أن يخرج جيروم باول المحافظ الحالي فيقول ما معناه، إن الرئيس دونالد ترامب بجلالة قدره، لا يملك إقالته من منصبه!

وكان كلامه دقيقاً.. فرغم أن ترامب هو الذي أصدر قرار تعيين باول، ورغم الخلافات المتجددة بينهما، ورغم عدم رضا ترامب أحياناً عن طريقة المحافظ في ادارة السياسة النقدية للبنك، إلا أنه وقف أمامه عاجزاً لا يستطيع فعل شيء.. وهذا بالتحديد هو مصدر القوة في البنك، قبل أن يكون مصدر القوة هو شخص المحافظ وبأسه!

وربما يكون هذا بالتالي هو سبب قوة عضلات الدولار في العالم.. سبب من بين أسباب طبعاً وليس كل الأسباب.. فقوة العُملة الوطنية، أي عُملة، هي في قوة اقتصاد البلد بالأساس، وفي قدرته على أن يكون اقتصاداً منتجاً، لا مستهلكاً، ولا ريعياً، وفيما بعد ذلك يأتي دور المحافظ في البنك المركزي!

وكلما استطاع المحافظ أن يمارس سياسة نقدية مستقلة في مكانه، كان ذلك لصالح العُملة، وصالح قوتها وقدرتها على الصمود في سوق العملات!

وطول الوقت كان هناك صراع خفي مرة، ومعلن مرةً ثانية، بين السياسة النقدية التي يمارسها المركزي، وبين السياسة المالية التي تمارسها الحكومة!

وكان نجاح المحافظ هو في قدرته على إقناع الحكومة على أن تمشي على هدى سياسة مالية رشيدة في إنفاق المال العام، حتى لا يكون إنفاقها على حساب قوة العُملة ومكانتها.. وأعتقد أن المحافظ طارق عامر يمارس هذا بهدوء مع الحكومة، واضعاً عينيه على الجنيه، وراغباً في أن يحصل على مكانته المستحقة بين باقي العملات!