رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

«مهمة الفلسفة ليست تفسير العالم ولكن تغييره».. هكذا يرى كارل ماركس.. أحيانا نقترب فى مجتمعنا من التفسير والتشخيص لكثير من مشكلاتنا مع الدين والدنيا ولكننا نتوقف ونموت عند هذه النقطة ليولد جيل جديد، ويسير فى نفس الطريق ويصل لنفس النقطة ثم يموت عند خط الانكفاء على الماضى.

التعصب ضد شخص أو مجتمع لمجرد تباين الرؤى والمصالح والعقائد نسميه رفضا للآخر، وهو أمر رغم بشاعته، لكنه يأتى فى الدرجة الثانية من القبح بعد معضلة رفض «الآخر» من الأفكار الجديدة  لمجرد أننا اعتدنا على الموت وفاء وولاء وفداء  لكل قديم، لأنه فقط يوفر علينا عبء جسارة التفكير وإعمال العقل والتجربة.. مجافاة الآخر «البشرى» إلى حد الكراهية يعكس نوع من الجبن التاريخى الذى تحول بمرور الزمن إلى ثقافة تربص تجعل اصحابها يبنون علاقاتهم مع الآخر على فرضية «الغزو» بمعنى -  لو غزوتك يوما فقد ربحت عبوديتك وغنائمك، ولو غزوتنى فقد ربحت التشهير بتآمرك على وجودى وعشت عمرى أقتات على مظلومية المقهور والمستضعف.

أما ما يتعلق بكراهية التغيير فى بنية الأفكار وأساليب الحياة فالمسألة أعقد.. الحضارة كما يرى بعض المفكرين أسلوب حياة، أما الثقافة فأسلوب تفكير، ومن رأى الدكتور طه حسين أن تراجع الحضارة يؤدى بالتبعية لخلخلة الثقافة وانزوائها.. مشكلة المصريين المعاصرين خلال القرنين الأخيرين أنه ثبت عمليا أنهم أعداء طبيعيون للتغيير.. الأفكار الجديدة بالنسبة لهم مجهول قد يأتى بما لا تحتمله طبائعهم الأكثر ميلا للركون إلى جدران الماضى أو الهرب إلى  قبوره تضرعا واستجداء.

الماضى عند المصريين المعاصرين يعنى الأمان والاستقرار وتجنب عناء التفكير،  لأن فى التفكير مشقة للعقل وغواية للنفس.. رفض ضرورات التغيير والتغير كلفنا كمجتمع منذ الحملة الفرنسية 1798 إلى اليوم أننا لبسنا - كما يرى الرائع نزار قبانى - ثوب الحضارة، لكن بقيت الروح جاهلية. خطورة الجمود والانكفاء على الماضى أنه جعلنا نسير عكس اتجاه التاريخ فى كل شىء.. فلا نحن قابلون لتداول الأفكار، ولا تداول الأشخاص والمناصب..  ولا قابلون لحرية الاعتقاد، ولا قابلون لضرورات الاجتهاد.. ولا متقبلون لفكرة احترام الآخر المختلف، ولا قادرون على منافسته علما بعلم..نخاف من مسئولية الحرية لأنها تعرى طبائع النفوس وجبن الأفكار، ونفضل عليها الاستسلام لسلطة القبور.. نعتبر التسول بالجهل خيرا من السعى بالعلم.. العلم يفرض على أهله الإيمان بحتمية التغير المستمر والأخذ ببراهين العقل، أما الجمود فيغرى أصحابه بأن التكفن بالوفاء للماضى أكثر أمانا من شهوة الحياة في  المستقبل.. الظلمة راحة للموتى من الأحياء، وفيها يتساوى كل شيء إلى حد العدم.. لماذا نخاف من التغيير إلى حد الجبن؟

لماذا نرفض الاختلاف إلى حد الكراهية؟ كيف نتكاثر بجنون رغم أننا نحب بجبن؟  أسئلة كثيرة نموت على عتباتها من لوعة الجوع للمعرفة والتكفن بالخوف.. نغرق إلى حد الموت الجماعى لأننا نصر مجتمعين على نزول نفس النهر مرتين.. حتى أمثالنا الشعبية فإنها تشير إلى ثقافتنا الرافضة للتغيير والتجديد.. نرددها غير عابئين بما تختزنه من عدوى تجعلنا نموت فى العمر الواحد الف مرة.. وهكذا تقول وتحكى أمثالنا عما صرنا اليه وصار من سبقونا "اللى تعرفه أحسن من اللى متعرفوش، صباح الخير يا جارى أنت فى حالك وأنا فى حالى، القديم يحلى ولو كان وحلة، يا قاعدين يكفيكوا شر الجايين، الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح، من فات قديمه تاه، يا بخت من بات مغلوب ولا بات غالب، من خاف سلم".. الأمثال خلاصة أساليب حياة استقرت على أن التغيير مهلكة والتفكير زندقة.. وفى المجمل فإن المجتمعات الراكدة يستغرقها الحديث عن الأموات رغم رهبتهم من الموت وخشيتهم من مصيره المحتوم.. مجتمعات تتجاوز عن أخطاء الأموات ولا تتسامح مع الأحياء.. نهتف لله أن يرحم الأموات وقليلا ما ندعوه أن يلهمنا حب جيراننا فى الكون الفسيح.. أن يمنحهم ويمنحنا السلام.. أن يتقبل صلواتنا وصلواتهم من أجل السلام والمحبة.. فى كتابه "الحرب والموت والحب" يقول «سيجموند فرويد»: نحن نراعى ذكرى الميت ونحترمها مع أنه لن يفيد من ذلك إلى الحد الذى يصبح فيه احترامنا للميت أعز علينا من الحقيقة التى نعرفها عنه، والأخطر من ذلك «برأى فرويد» أن هذا الاحترام بالنسبة لمعظمنا أعز علينا من اعتبارنا أحياء.