عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كلام

صُدِمت عندما عَلِمتُ أنَّ القهوة مُحرمة شرعًا. وأدهشنى كما  تندهش أنت الآن إذا قال لك أحدُهم إنَّ القهوة هى الخمر.. ومن صدمنى بهذه  المعلومة أحد معارفى زارنى أمس الأول فى مكتبى، فعزمتُ عليه بشرب فنجان من القهوة فرفض متعففًا، وقال ولا الشاى، فطلبت لنفسى كوبًا من القهوة كعادتى، فإذا به ينفعل ويحتد بما سمح له العشم بيننا، وقال إن القهوة مُحرَّمة  شرعًا ولا يجوز شُربها، وساق لى روايات كنت أسمعها لأول مرة.. فى المساء أعددت بنفسى كوبًا كبيرًا من القهوة ورُحتُ أبحث عن صحة ما قاله لى زائرى،  وكانت المُفاجأة.. تبين بالفعل أنَّ  القهوة «كانت» مُحرَّمة!    

وظهر مشروب القهوة فى مصر لأول مرة فى رواق طُلَّاب اليمن بالأزهر،  الذين كانوا يتناولونها لتساعدهم على الدراسة والاستيقاظ والذكر، وشيئًا  فشيئًا انتشرت القهوة بين طُلَّاب الأزهر فى العقد الأول من القرن الثامن الهجرى. وقُوبِلَت القهوة بمعارضة شديدة من رجال الدين أمثال الفقيه أحمد  بن عبدالحق السنباطى، الذى قاد حملة ضد المشروب الجديد، بعدما تلقى سؤالًا  حول شرب القهوة، وكان نص السؤال: «ما رأيكم فى المشروب الذى يُدعى قهوة  والذى يزعم بعضهم أنه مباح، رغم ما ينجم عنه من نتائج وعواقب فاسدة؟»، فأفتى الشيخ السنباطى بتحريمها، وعارضها المجتمع المصرى بشدة. وأدت خطبة  أحد الموالين للشيخ السنباطى عن القهوة إلى هياج شعبى ضدها فى منتصف عام  1572. وحرمها الخطباء من على المنابر، مما دفع الناس إلى تحطيم المقاهى، وشهدت مصر حالات شغب من أجل القهوة، كما شهدت مكة واليمن وإسطنبول والبوسنة  أحداثًا مشابهة بسبب التباين بين فتاوى إباحة القهوة وتحريمها، إلى أنْ اختبر شيخ الاسلام زكريا الأنصارى فى القرن التاسع الهجرى تأثير القهوة على  جماعة مِمَن يتعاطونها، فأحضر البُن وأمر بإعداده، وأمرهم بشربها، ثم فاتحهم فى الكلام فراجعهم فيه ساعة، فلم يَرَ فيهم أى تأثير، فراجعهم فيه  ساعة أخرى فلم ير مِنهُم لا تغيرًا ولا فُحشًا، فأفتى بحِلها. وصارت مُباحة  حتى قدمها أهل الخير فى ساحات الحرمين والمساجد. ورغم مرور قرون مِن الزمان على فتوى الإباحة بعد فتاوى التحريم، نجد اليوم من يتشددون ويتمسكون  بتحريم ما أحله الله.

     ومن ينظر فى نص السؤال الموجه للشيخ أحمد السنباطى صاحب فتوى التحريم،  يجده سؤالًا خبيثًا فيه تدليس، وهو بهذه الصيغة تكون إجابته بالتحريم، ولو أنك مُفتى ماذا سيكون ردك إذا سألك أحدهم: «ما رأيك فى المشروب الذى يزعم  بعضهم أنه مباح رغم ما ينجم عنه من نتائج وعواقب فاسدة» أكيد ستفتى  بالتحريم ما دام ينجم عنه عواقب ونتائج فاسدة.. ولو أنك مثل شيخ الإسلام  زكريا الأنصارى لتحققت بنفسك من تأثير هذا المشروب على العقل قبل أنْ تفتى،  والفرق ما بين تحريم «السنباطى» للقهوة، وإباحة «الأنصارى» لها هو الفرق  ما بين كثير ممن يتعرضون للفتوى فى زمننا فتتباين وتختلف الفتاوى ويتشتت  الكثيرون.

[email protected]