رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

عندما يتجرد البعض من آدميتهم، ويتساوى عندهم الخطأ والصواب، وتتبلد مشاعرهم وتموت إنسانيتهم، وتذهب مروءتهم إلى غير رجعة.. تتكشف الحقيقة بأن هؤلاء ليسوا سوى مسوخ بشرية.

سنوات من التحريض المبتذل والمكايدة الرخيصة، تزامنًا مع صيحات عنصرية بغيضة من أفواه كريهة، تدعو إلى حصار المسلمين فى بلدانهم، وعدم صلاحية الإسلام للتعامل مع قيم الحضارة الغربية!

تلك السياسات العنصرية، تصدَّرت المشهد من جديد، بعد أن تعاظمت الضغوط الغربية، لضرب طوق من العزلة على مجتمعاتنا، بتهميشها وحرمان شعوبها من التضامن والتعاطف إزاء ما تتعرّض له من معاناة!

قديمًا، كان المثقفون الغربيون ـ حتى القرن السابع عشر ـ يرون الإسلام مثالًا يُحتذى، وأنه دين عقل وحكمة، نظرًا لغياب تسلط السلطة البابوية على الدولة، وروح التسامح السائدة والإنسانية التى كانت تطبع حياة المسلمين.

الآن، لن يجدى نفعًا الحديث عن المجزرة المروعة فى نيوزيلندا، التى أزهقت أرواح واحد وخمسين بريئًا، بسبب صمت أهل الكهف من هؤلاء «المؤلفة قلوبهم»، الذين «ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم».

لم نشاهد «مظاهرة»، كتلك التى حدثت عقب أحداث 13 نوفمبر 2015 فى باريس، عندما توحد زعماء العالم تحت شعار «كلنا فرنسا»، فى مشهد فريد من نوعه، فيما يشبه حركة «تمرد» على الإرهاب، لكن فى نيوزيلندا كان الوضع مختلفًا.. ببساطة لأن الإرهابى ليس مسلمًا!!

إن ما حدث فى نيوزيلندا ليس سوى إشارة متكررة، تسهم فى انتشار مشاعر الكراهية والانتقام، وتأجيج العنصرية، وقتل قيم المواطنة والمحبة التى تدعو إليها كافة الأديان السماوية.

هذا الحادث الدامى يُكَرِّس النزعة العنصرية لدى كثير من الغربيين، بأن الإسلام خصم، والمسلمون محنطون متخلفون، يعيشون فى مجتمعات غارقة فى الاستبداد والرجعية!

ربما يرى الغربيون أن الإسلام قطع صلته بالمدنية، ولذلك بدأت الشكوك تظهر من جديد فى مقدرة المسلمين على الانخراط الفعلى فى مسيرة الحداثة، لأنهم ـ برأيهم ـ عاجزون عن «التحضر»!

لعل ما نشهده اليوم هو تحقق «نبوءة» الغرب، فى صراعه لفرض الوصاية على مجتمعاتنا، لأن المسلمين ـ كالعادة ـ متهمون بالتقليد والجمود، خصوصًا أن بعض الحمقى، أعطوا الذرائع للمتطرفين الغربيين، من تبنِّى فكرة «الإسلام المصدر الرئيسى للتهديد»!

هؤلاء المحرِّضون يصدِّرون للغرب ـ بقصد أو عن جهل ـ أن الإسلام تحول إلى بؤرة منتجة لجميع المخاطر والتهديدات.. تنشر العنف والإرهاب، وتهدد الاستقرار الإقليمى والدولى، وتؤجج النزاعات حول العالم.

على مدى عقدين، لم يترك الإعلام العالمى بمشاركة عربية إسلامية ـ أى فرصة لشن حملات ممنهجة على مظاهر «انحطاط» المسلمين وعجز ثقافاتهم عن مجاراة الحضارة الغربية، وإبراز صورة مشوهة لهم وفساد حكامهم ونظمهم، وتخبط مفكريهم ونخبهم، وابتذال سياساتهم الداخلية والخارجية!

أعوام ممتدة من الكراهية والعنصرية والأعمال الانتقامية ضد أبناء الجاليات الإسلامية فى الغرب، لـ«عزلهم»، ومواجهة تنامى موجتى «الإرهاب» والهجرة، وبالتالى «إخضاع» المجتمعات الإسلامية بجميع الوسائل، حتى لو تطلب الأمر تدخلًا عسكريًا، أو حصارًا اقتصاديًا!

إذن، من الصعب إقناع الغرب بالعدول عن سياساته الهمجية، وخطأ نظرياته تجاه مجتمعاتنا، ما لم ننجح نحن أولًا، فى التوقف عن التحريض على أنفسنا، وإنقاذ مجتمعاتنا من الانقسام والتخبط والضياع، وإعادة ترميم حياتنا وأخلاقنا الإسلامية الصحيحة.

أخيراً.. إن المبادئ لا تتجزأ، والإنسانية لها مدلول واحد.. أما تصنيف الناس، بحسب لونهم ومعتقدِهم، أو انتماءاتهم، أو حتى أيديولوجياتهم، فهو عار وحماقة وجهل ونفاق.. ومعاداة للإنسانية.

[email protected]