رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صحافة فى الزمن الجميل (١)

ــ كان رحمه الله شاباً بديناً يعمل مراسلاً لأخبار اليوم فى بورسعيد، وكان مطلوباً منى أن أسافر لألحق به وهو يقوم بتغطية الأحداث فى العدوان الثلاثى على مدينة بورسعيد، لم يكن قد مضى على عملى فى «آخر ساعة» سوى شهور، وبتعليمات من الأستاذ محمد حسنين هيكل شخصيًا وكان وقتها رئيساً للتحرير طلب من المرحوم جليل البندارى أن يرسل محررًا للعمل مع مصطفى شردى وكان «جليل» وقتها مسئولًا عن تدريب مجموعة من الصحفيين الشبان عام ١٩٥٦.. ولا أعرف لماذا اختارنى أنا بالذات.

ــ أخذتنا سيارة صغيرة ماركة اسكودا من جراج أخبار اليوم وسافرت بنا إلى بورسعيد ومعى وجيه أبوذكرى من جريدة الأخبار، كنت مرعوباً لأننى لأول مرة أخوض مثل هذه التجربة وخاصة أننا فى حالة حرب، وطريق القنال من الاسماعيلية كان خالياً، سألت وجيه: هل تعرف مصطفى شردى؟ قال لا أعرفه لكن على حد علمى إنه شخصية معروفة لأهالى بورسعيد.

ــ ووصلنا وقبل أن نسأل رأينا شاباً يوقف عربة يد على الرصيف ويشير لنا.. وتوقفت سيارتنا ثم تقدم إلى بابها وهو يقول لنا «حمداً لله على السلامة» وتساءلت كيف تعرف علينا، وسيارتنا ملاكى لا تحمل اسم أخبار اليوم.. المهم دعانا على الفطار وراح إلى العربة اليد التى كانت معه وأحضر لفافة فيها سندوتشات فول وطعمية وفهمنا أنه غير مسموح باختيار أكثر من سندوتش واحد.. ثم أعطى السائق الحاج سمير سندوتش أيضًا وقال له «سأعطيك رسالة تسلمها لمصطفى بك فى إيده وظل الرجل منتظراً هذه الرسالة»، ثم طلب منا أن ننتظره إلى أن يذهب إلى بيته ويحضر هذه الرسالة، وجلسنا تحت « تمثال ديليسبس» مع أنه ممنوع لكن أحد الجنود سمح لنا عندما عرف أننا تبع شردى، سمعنا أصوات القنابل وهى تدك عمارات على بعد خطوات منا ومن حسن الحظ أنها كانت خالية من السكان، قال لنا الجندى لقد حدث إخلاء لبيوت بورسعيد.. طلب منا الجندى أن نرقد على بطوننا، وبين حين وحين كنت أتحسس جسدى فقد كنت أخشى أن أفقد ساقاً أو ذراعاً، ثم أطلقت صفارة الأمان، والتقطت أنفاسى وأنا أقول أحمدك يا رب، ونهضنا من على الأرض.

ــ ويدخل علينا مصطفى شردى وهو يجر عربة اليد وفوقها سيدة عجوز اكتشفنا فيما بعد أنها والدته فقد حملها خوفاً عليها من طلقات المدافع، وكانت فى يده الأخرى كاميرا أخرج منها فيلماً، ثم وضعه ضمن أشياء أخرى داخل مظروف وسلمه للحاج سمير السائق ليعود به إلى القاهرة.. ثم اتجهنا إلى مبنى فى شارع رئيسى، كنت أنا ووجيه نمشى على أقدامنا وشردى يجر العربة ووالدته محمولة عليها، واقتربنا من المبنى وساعد والدته على النزول واصطحبنا داخل المبنى وإذا بنا فى مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط مديره كان شابًا صغيرًا اسمه صلاح طايل، وروى لصلاح كيف كان يلتقط صورًا بيد ويجر والدته وهى محمولة على العربة باليد الأخرى.. ثم اصطحبنا شردى إلى الشقة المواجهة فهمنا أننا سنقيم فيها وسوف يلازمنا أخوه «زغلول» وقال شردى لنا ستكونون فى ضيافة أخى لأننى سوف أستكمل عملاً طلبه منى مصطفى بك، فكان يسجل صوراً كثيرة لتدمير المدينة وصورًا للسكان والأطفال وهم فى هلع وفزع، هذا العمل هو الذى صنع من مصطفى شردى بعربية اليد أكبر صحفى لأنه كان الوحيد الذى نقل العالم إلى بورسعيد بصوره، والتى سلمها مصطفى بك لأنيس منصور الذى سافر بها ونشرها فى الصحف العالمية ليثير غضب العالم على الدول الثلاث «فرنسا وبريطانيا وإسرائيل» ويومها خرج أيزنهاور يعلن أنه على استعداد لهدنة لوقف النار، إلا أن الرئيس عبد الناصر كان مصرًا على الانسحاب وليست الهدنة.. ونجح ناصر فى إجبارهم على الانسحاب بعد الضربات الفدائية لأهالى بورسعيد، لعبت صور شردى دورًا خطيرًا فى إثارة الرأى العام العالمى على هذا العدوان، فكانت تجسد الوحشية واستغاثة الاطفال وهم يجرون فى الشوارع، وقتلى من كبار السن لم يستطيعوا الهروب.

ــ الشهادة لله العدوان الثلاثى على مصر أظهر بطولات جيشنا، والملحمة الشعبية لأهالى بورسعيد من الفدائيين، جانب مولد الصحفى مصطفى شردى.. والذى بدأت نجوميته ليصبح أول رئيس تحرير لجريدة الوفد.. رحم الله مصطفى وأحسن خاتمته.. لقد مات وترك لنا فى ميراثه ابنه محمد شردى الذى أصبح من كبار الكتاب.

[email protected] com