رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لازم أتكلم

تحدث الرئيس السيسى مؤخرا عن البحث العلمى فى مصر وأهميته، وعن ضرورة النهوض به، وتذليل أى عقبة تقف حجر عثرة أمام العقول المصرية المبدعة والمبتكرة. وكلام الرئيس ليس جديدا، سمعناه منذ 40 عاما وأكثر من رؤساء سابقين ومن كافة وزراء التعليم والبحث العلمى الذين تعاقبوا على مصر، ولم نر جديدا، سوى أبحاث بالمئات بل بالآلاف مكدسة داخل كراتين وفوق أرفف مكتبات الجامعات ومراكز البحث العلمى، اضطر أصحابها للهجرة وفروا مجبرين إلى دول أجنبية، ليجعلوا ما ابتكروه واخترعوه واقعا ملموسا.

الجديد فى حديث الرئيس، اعترافه وهو على قمة هرم الدولة أن عملية إدارة البحث العلمى فى مصر بها مشكلة، أو كما قال ليست بالكفاءة المطلوبة، والدليل أن الباحث المصرى ينجح فى الخارج ويفشل فى بلده ؛ والسبب أن القائمين على رعايته لا يبحثون إلا عن المناصب والكراسى، ولا يدركون معنى أن نجاح أى بحث مصرى وتطبيقه على أرض الواقع عالميا، هو نجاح لهم ولمصر كلها.

والجديد أيضاً مطالبته الدول التى تستعين بخبرة وعقل أى مصرى فى منتجها، أن يكون لمصر وضع خاص عند استيراد هذا المنتج، كنوع من رد الجميل، وهنا أقول: سبحان الله ما هو الباحث نفسه بعقله وشحمه ولحمه كان عندنا وطفشناه وأخرجنا له بدل العفريت مليون عفريت؟! ولكن عندما يتغير المكان والمسئول وتختلف الرؤية تتهيأ بالطبع كل سبل النجاح للمصرى.

هناك فى أرض الهجرة، حيث روح العمل الجماعى وإنكار الذات، ينجح بل يتفوق ويتميز؛ لأنه لن يجد أى أثر لــ"قوانين انشراح"، التى طالما وقفت فى طريقه، وعذبته للحصول على ختم من هنا، وتوقيع من هناك، ولن يجد من يطالبه بإحضار موافقات ورقية ليس لها أى لازمة سوى "مرمطة" الباحث، وأخذه كعب داير على عشرين مؤسسة ومصلحة، لكى يبصر نتاج بحثه النور.

لدينا نماذج كثيرة فى مصر ترى الويل حتى يتم الاعتراف بأبحاثها وإبداعاتها، وهؤلاء بالطبع محبطون، وينتظرون أى لحظة للفرار إلى الخارج وبدون أى شروط ؛ لأنهم يعلمون مسبقا أنهم الرابحون ومن سعوا لتطفيشهم وزرع اليأس بداخلهم هم الخاسرون.

عملية التطفيش هذه لكل مبتكر أو مخترع فى بلدنا ينبغى أن نضع حدا لها، وكفانا بيعا لأفكار خيرة شبابنا، ولم يعد مقبولا أيضاً بعد اليوم أن تشترى أى دولة أدمغة أبنائنا بثمن بخس، ثم تبيع لنا أفكارهم وابتكاراتهم بملايين الدولارات فى شكل سلع ومنتجات، وكم من باحث علمى رفضت جامعات وطنه أبحاثه ومشاريعه واشترتها مراكز أبحاث غربية، ثم طلبتها للأسف واشترتها مرة أخرى الوزارات المعنية المصرية (أى والله تخيلوا.. يبقوا فى أيدينا ونفرط فيهم؟!). 

لغة الأرقام تخبرنا أننا نمتلك مليون باحث، بينهم 500 ألف عبقرى ومبتكر، ستكلفنا هجرتهم نحو54 مليار دولار سنويا، فلماذا نغتال حلمهم؟ ونخسر كل هذه المليارات ونحن فى أمس الحاجة لأبحاثهم التى يتلقفها المستثمر الغربى فردا كان أو مركزا، ثم يعيد تصديرها لنا مرة أخرى؟.

وفى الخارج 54 ألف عالم وخبير مصرى بينهم 11 ألفا فى تخصصات نادرة و94 عالما فى الهندسة النووية و36 فى الطبيعة الذرية و98 فى الأحياء الدقيقة و193 فى الإلكترونيات والحاسبات والاتصالات، و48 فى الكيمياء و25 فى الفلك والفضاء و48 فى البيولوجى والميكروبيولوجى و46 فى استخدامات الأشعة السريمية، منتشرين فى أمريكا وكندا وإسبانيا وروسيا.

وليس عيبا أن يسافر الباحث المصرى ليطلع ويكتسب الخبرة، ويحتك بنظرائه فى العالم الغربى المتقدم، ولكن العيب كل العيب أن نغلق فى وجهه كل ابواب النجاح إذا ما أراد العودة يساهم ويشارك فى صنع تقدم بلده. ولا سيما أن معظمهم ما زالوا على قوة مؤسساتنا العلمية.

إن الاستثمار فى العقل البشرى يا سادة هو أقوى وأفضل أنواع الاستثمار، فقفوا بجانب شبابنا المبدع والمبتكر، فما يقدمه للخارج برخص التراب أولى به وطنه وناسه، وإن ترككم ورحل بحثا عن حياة وبشر أفضل لا تقفوا فى طريقه، فلا تحرمونه من إجازة بدون مرتب، ولا تجبروه بطريقة غير مباشرة على الزواج من أجنبية فتكون الخطوة الأولى للاستغناء عن عن جنسيته وربما دينه ووطنه.

وأعتقد أن استقالة 11 معيدا من جامعة عين شمس للعمل بالجامعات الأمريكية يكفى وحده مثالا على ضرورة تغيير العقول المتجمدة فى وزارة البحث العلمى والمراكز البحثية بالجامعات المصرية، والبدء فورا فى نسف كل الحمام القديم والتعامل بشكل آخر جيد يحفظ للباحث المصرى مستقبله وقيمته وكرامته.

[email protected]