رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

أرجو ألا أثقل على القارئ بهذه السطور، باعتبار أن مضمونها ربما يدخل فى منظور البعض فى إطار قضية فئوية رغم أنها ليست كذلك ، فالعمل على النهوض بالصحافة وإنقاذها من عثرتها، حسبما أكد عبد المحسن سلامة نقيب الصحفيين السابق فى اجتماع الجمعية العمومية للصحفيين الجمعة الماضي، أمر يصب فى مصلحة المجتمع باعتبار الصحافة أداة تنوير وأداة ديمقراطية! بغض النظر عن اختلافك مع النظر للصحافة فى زمننا الحالى باعتبارها الأداة الثانية!

فعندما أسرح بخاطرى أقول بينى وبين نفسى، إننا معشر الصحفيين، بشر مثل باقى البشر ومن حقنا أن يشعر بنا الآخرون كما نحاول أن ننقل أحوال الآخرين ومشاكلهم إلى باقى أفراد المجتمع وقياداته. بدت لى الصورة جلية بشكل لا يحتمل التأويل خلال «عمومية» الصحفيين قبيل التصويت لانتخاب نقيبهم الجديد ونصف أعضاء المجلس.

هالنى إجماع أعضاء مجلس النقابة الحضور على المنصة بدءا من «سلامة» مرورا بمحمد خراجة وحسين الزناتى وليس انتهاءً بعمرو بدر وسعد عبد الحفيظ على الحالة المتأخرة التى تواجهها الصحافة المصرية. بعيدا عن تشخيص بدر وعبد الحفيظ للمشاكل التى تعانيها الصحافة، الأمر الذى يفسره تحفظى فى الحديث، فإن التوحد فى الشعور بالخطر يشعرك بأننا أمام مهنة فى النزع الأخير، ولعله من هنا تأتى أهمية الدعوة التى أشار إليها جمال عبد الرحيم رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات لتنظيم مؤتمر يركز على سبل إنقاذ الصحافة الورقية.

رغم أن تجمع الصحفيين يضفى حالة من السرور والحبور، إلا أنه يصيبك بحالة من الغم والكرب، فكم من زميل وزميلة أصبحوا عاطلين عن العمل بحكم توقف جرائدهم أو وقف صرف رواتبهم أو خفضها إلى أكثر من النصف. لو كنت حاضرا لشعرت بالتعاطف مع ذلك الزميل الذى صعد إلى المنصة لينعى إلى الحضور فصل نحو 70 من زملائه من مؤسسة واحدة تعسفيا بسبب سوء الأوضاع المادية وتدهورها! ومن بين الصحفيين من ينتظر المصير ذاته، ويضع يده على قلبه من اليوم الذى سيأتى ويعيش ذات الحالة ورغم أن البعض يراه بعيدا، إلا أن مسار الأمور يشير إلى أنه بات قريبا!

كان من الأمور اللافتة للنظر حالة الفزع التى بدت على بعض الصحفيين خلال الاجتماع من ملحوظة للجهاز المركزى للمحاسبات – مجرد ملحوظة - بشأن عدم أحقية الصحفيين فى البدل (النقدي) رغم تطمينات «سلامة» بأن ذلك البدل بحكم القضاء أصبح حقا أساسيا للصحفيين لا يجوز المساس به. من مجمل ما دار حول هذه النقطة بدا لى عبقرية «مخترع البدل»، وددت لو رأيته لأشد على يديه وأضغط عليها كى أفرمها فى الوقت ذاته، وددت أن أحييه وأعنفه. مشاعر متباينة ومختلطة يعكسها عمق التأثير الإيجابى للبدل والسلبى فى الوقت ذاته على مسار الصحافة المصرية. إن ذلك البدل الذى صدعوا أدمغتنا به ليل نهار قد لا يكون ميزة للصحفيين، بل إنه قد يكون عيبا لا نراه، ربما يكون أشبه بحبة الدواء التى ساهمت فى تسكين المرض وشغلتنا عن السعى لإيجاد تشخيص حقيقى له!

هل سمعت عن الميت الحي؟ فى أدبيات الأمن القومى يشار إلى هذه الصيغة بشأن رؤية الغرب لحالة وفاعلية دور مصر فى المنطقة والعالم، هو يخشى أن تنهض، فتكون صداعا له ولخططه القائمة على الهيمنة، ويخشى أن تموت فتفلت الأمور من بين يديه ويتحول الموقف فى المنطقة وامتداداتها إلى فوضى لا تحمد عقباها، ومن هنا فإنه يقف بجانبنا لكى نكون فى حالة وسط بين الحياة والموت، فيأمن صحوتنا، ويتحاشى مخاوف ما بعد وفاتنا!

البدل، كذلك يقوم على الفلسفة ذاتها.. إنه صيغة لجعل الصحافة أقرب إلى هذه الحالة، فهو مبلغ نقدى يحافظ على جانب  - أقول جانب - من كرامة الصحفيين، لكنه لا يطعمهم من جوع ولا يجعلهم يأمنون من خوف قسوة الحياة. هو صيغة لجعل الصحافة بمأمن من الموت، وأبعد عن الحياة ، فلا هى بعافيتها التى تستطيع أن تمارس على أساسها دورها الحقيقي، ولا هى ميتة بحيث يتم تشييعها إلى مثواها الأخير وفض سيرتها.

فى حديث لى مع صديق عزيز لا علاقة له بالمهنة من قريب أو بعيد، تطرقنا بشكل عفوى إلى أوضاع الصحفيين فكان السؤال عن الرواتب، فغر فاه وأتصور أنه لم يغلقه بعد!! من هول المفاجأة عندما علم أن راتب الصحفى يبدأ من خمسمائة جنيه، يصل بعد الخصومات والذى منه إلى ثلاثمائة جنيه أو أكثر قليلا! لولا صورتى الذهنية عنده بأننى شخص جاد ولديه قدر من الاحترام لتصور أننى أسخر منه أو أننى على الأقل أهذي! ورغم أن الصحفيين رضوا بـ «الهم» إلا أن «الهم» لم يرض بهم، وأصبحوا يواجهون رغمًا عنهم شبح إغلاق لمؤسساتهم أو انقراض لمهنتهم يتركهم بلا عمل.

 الغريب أنك عندما تنظر فى جموع الحاضرين تشعر بملامح الغنى على محياهم وفى مظهرهم الذى تفرضه عليه طبيعة مهنتهم .. إنه غنى التعفف الذى ربما يكون رسالة لمن هو قائم على أمرهم بأنهم لا يسألونهم إلحافًا!!

[email protected]