رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

فى جوف الليل، فجأة ودون توقع، تعالى صراخ بالمنزل، فانتفضت لتوى من مضجعى لأتتبع مصدر الصوت وأنا أرتجف ذعرًا خشية أن يكون الأولاد قد أصابهم مكروه ما، لا قدر الله. تتبعت الصوت إلى أن اكتشفت أن مصدره غرفة الأولاد. توقفت أنفاسى لبرهة من الوقت، وتلبد جبينى بالغيوم، وتصبب العرق منه، رغم برودة الشتاء القارسة.. بضع أمتار تفصل بينى وبين أولادى وكأنها مسافات قاسها القدماء بالفرسخ، وقلت فى نفسى: يا رب استر، ماذا أصابهم؟

اقتربت من باب الغرفة، وما أن هممت بوضع يدى على المقبض حتى تعالى صراخ ابنى الكبير قائلاً: موت يابن الــــ...! عفوًا لا أستطيع ذكر اللفظ. وقلت لنفسى، أوصلت الجرأة بابنى إلى حد أن يتفوه فى بيتى بهذه الألفاظ ويتمنى الموت، لمن؟ لا أعرف.

هنا، وبسرعة شديدة، قبضت المقبض لأسفل، ونظرى موجه إلى مرقده، وعشرات الأسئلة تتضارب فى رأسى. وكانت المفاجأة! رأيته فى وسط الغرفة يرقص فرحًا، وما أن رآنى حتى قال لى: بارك لى يا بابا، قتلته. لم أنبس ببنت شفة، وأخذت أجول ببصرى فى الغرفة أبحث عن القتيل، أو بمعنى آخر أبحث عن شقيقه الذى يشاركه الغرفة، غير أنى لم أجد أحدًا. أخذت أقلب بين الفرش لعلى أجد جثة القتيل، لم أجد شيئًا.

عدت إلى مكانى عند باب الغرفة وقد تسمرت قدماى، وعجزت عن الحديث لبرهة؛ وبادرته قائلاً: أنت مجنون! قتلت من؟ لا دماء ولا سلاح ولا شىء استجد على الغرفة؟ ضحك بملء فاه، وقال لى: قتلت واحدًا من داعش.

أخذت فى الضحك، مستهزئًا بكلامه. فقال لى: والله قتلت قائدهم. فأردفته بقولى: وأين الجثة؟

فقال لى هاهى ذا! وأعطانى تليفونه المحمول كى أطالع الجثة.

فقلت له باستخفاف: ومن اشترك معك فى الجريمة؟

قال: لا أحد، ثم إنها ليست جريمة، هو نال جزاءه.

قلت له: كيف؟

قال: كنت ألعب معه PubG على الهواء مباشرة، وهو على الطرف الآخر يقاتلنى بكافة الأسلحة الحديثة، التى أخذ يعددها؛ وما أن عرف أننى مصرى الجنسية، حتى أخذ فى سبابى بأفظع الألفاظ، وأخذ يقاتلنى بكل شراسة ممكنة. غير أن الله نصرنى عليه وقتلت قائدهم نفسه.. وهكذا هُزم الداعشى وقتل على الطرف الآخر.

وقفت مندهشًا مما يحدث فى بيتى، وسألت ابنى: ما هذا؟

قال لى: PubG.

فقلت له: ماذا تعنى؟

قال لى: إنها لعبة عالمية تُعلمنا كيف نقتل باستخدام الأسلحة الحديثة، وهى المسيطرة الآن على عقول الشباب، لدرجة أن اللاعبين يصلون إلى خمسة ملايين لاعب فى آن واحد على مستوى العالم، وتُلعب أونلاين، بكل اللغات، فتارة ألاعب أُناسًا يتحدثون الإنجليزية وآخرين يتحدثون العربية بلكنات مختلفة، ومنهم من يعرف هويتى من علم بلادى فإما يمتدحنى أو يسبنى ويسب بلادى، لكنى لا أضيع حقى، فأصبر على اللاعب حتى أنتصر عليه وأقتله، وأثأر لبلادى.

سألت ابنى: وما أصل هذه اللعبة؟ فأجابنى بالنفى. لكنها اللعبة الأشهر الآن، والأكثر سيطرة على عقولنا، وبفضلها عرفنا كل أنواع السلاح.

أخذت أسأل نفسى: هل عجزنا عن أن نصنع ألعابًا إليكترونية مصرية نحمى بها هويتنا الوطنية، ونجنب شبابنا ثقافة القتل والتدمير، الذى قد يتحول يومًا ما إلى واقع بسبب الـ PubG؟ هل عجزنا عن مخاطبة الشباب بلغتهم ووسائلهم حتى نغرس فيهم قيمنا الأصيلة وتقاليدنا، ونعرفهم أن صلاح الدين انتصر على الفرنجة واسترد القدس، وأن جيش مصر هو من قتَّل التتار وشتتهم، وهو نفسه الذى حقق انتصارًا مبهرًا فى أكتوبر 73 لنفند مزاعم الصهاينة المضادة لنا؟

إن الأمن القومى لمصر، وتثبيت أركان الهوية، يحتاج إلى تنوع الرؤى لتأمين العقول، الذى يجب أن يسبق تأمين البطون، حتى وإن ابتكرنا ألعابًا إلكترونية مصرية لنوقف مخاطر الـ PubG على عقول أبنائنا.