رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأنا شخصياً مهموم بالقاهرة ومشاكلها. بدت لى المسألة وكأنها ليست قضية عامة وإنما كأن العاصمة فرد من أفراد أسرتى، ولذلك لم أدخر جهداً فى البحث عن حل نظرى لها، رغم أنى لست مسئولاً ولا حول لى ولا طول. صدعت دماغ رائد التخطيط العمرانى فى مصر الدكتور عبد الباقى إبراهيم بسؤاله عن القضية ورؤيته لحلها.

كان الأستاذ عباس الطرابيلى مدير تحرير الوفد فى ذلك الوقت من الثمانينات يعاتبنى متصوراً أننى أفلست صحفياً بسبب أنه لم يكن لى من موضوعات أقوم بها سوى ذلك الموضوع قائلاً: أليس لديك من موضوعات تتجاوز الحديث عن شكل القاهرة عام 2000، والمدن الجديدة ودورها فى تفكيك زحام العاصمة. سعدت سعادة بالغة عندما أعلن السادات عن إنشاء عاصمة جديدة لمصر فى المدينة التى أطلق عليها اسمه. ذهبت إليها فى عام 1987، وأدركت الوهم الذى يريد الرجل أن يسوقنا إليه.

ولذلك فإن أساريرى انفرجت كثيراً عندما تم الإعلان عن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة لمصر رغم فتور حماسى وما تصورته من أن الأمر قد يكون له مسالك أخرى. بغض النظر عن أى تحفظ لى أو لك أو لغيرك فإن الفرح ينتابنى عندما ألمس أن هناك اهتماماً غير مسبوق من القيادة السياسية بكل صغيرة وكبيرة هناك.. زيارات فى الفجر وفى المساء وفى كل الأوقات، أقول بينى وبين نفسى: إذن العاصمة سيتم إنشاؤها وعلى أفضل وجه.

عندما أقرأ وأتابع تفاصيل المخطط العمرانى والسكنى الذى ستكون عليه العاصمة الإدارية أشعر بفخر أنه فى مصر سيكون هناك مكان على هذا النحو حتى لو لم تتح لى قدراتى المادية السكن فيه أو الانتقال إليه! رغم بعد المسافة الزمنية والمكانية أقول: أخيراً سيتحقق حلمك ورؤيتك يا أفلاطون فى وجود المدينة الفاضلة على الأرض، التى تحقق غاية الإنسان من العيش فى أمن وأمان وبيئة نظيفة وحياة سهلة ميسرة ومشاهد تسر الناظرين. سندى فى ذلك مخطط العاصمة التى يتم وفق أحدث مواصفات إنشاء المدن فى العالم ويراعى كافة التفاصيل ولا يترك شاردة ولا واردة للصدفة.

عندما أردت أن أتجاوز الحلم إلى اليقظة قررت الذهاب إلى هناك حيث يمكننى صلاة الجمعة فى مسجد الفتاح العليم وزيارة الكاتدرائية تعزيزاً لروح الوحدة الوطنية التى كرسها حدث افتتاح المسجد والكنيسة فى مشهد يحق لأى مصرى أن يفخر به. رغم أننى لم أسعد بزيارة الكاتدرائية التى تم إخبارى بأن العمل بها لم ينته بعد! إلا أننى رأيت أن المشهد فى العاصمة الإدارية ينم عن عمل جبار. تذكرت كلمات الأغانى التى يشدو بها مطربونا فى التأكيد على جبروت الإنسان المصرى وإرادته وقدرته على تحقيق المستحيل.

رغم ما سبق، بدا لى بعد الزيارة أنه ربما تكون هناك مقترحات أو تصورات يمكن للبعض من هنا أو هناك ممن يحبون هذا الوطن أن يقدموها فى إطار حقيقة أن الحلم والوطن يسع الكل ولا يستثنى أحداً. فإذا كان يحق لنا أن نفخر بأننا ونحن بلد فقير نشيد مثل هذا المكان العبقرى بالغ الفخامة وبالغ التكلفة، فربما يكون من المفيد أن «نفرمل» هذه الفخامة، وهذه التكلفة التى يؤكد مواطنون مصريون من بنى جلدتنا يجوبون العالم أنها ربما تتجاوز ما يرونه فى أمريكا وأوروبا والدول المتقدمة!

بدا لى، أنه ربما كان من الأفضل أن تكون العاصمة الإدارية «كمبوند كبير»، بدلاً من تقسيمها إلى كمبوندات متناهية الصغر، لما يحققه البديل الأول من وفر فى التكاليف الإضافية التى تتطلبها فكرة الكمبوند من أمن وحراسة وإداريين وعمال زراعة.. إلخ، وأنه بما أن «المواطن العاصمى الإدارى» سيتمتع بالخضرة والأمن وغيرها من خدمات متنوعة والتى توفرها الأنظمة الذكية فى كل خدمات المنطقة، فربما يكون الحرص على توفير أمن زائد، وخصوصية زائدة له فى كمبوند خاص به نوع من التزيد الذى لا لزوم له.

عادت رؤى أفلاطون الفيلسوف اليونانى الذى غمرنا منذ أكثر من 2500 سنة بمواقفه الفلسفية الثاقبة وغير الثاقبة، تفرض نفسها فى شكل العاصمة الإدارية وفلسفة عمرانها البشري. فرغم الطابع المثالى الذى كان سمة أساسية لفلسفته، والذى يتواصل فى أشكال مختلفة حتى لحظتنا المعاصرة سواء فى فلسفة الغرب أم حتى على مستوانا فى فلسفتنا الإسلامية، إلا أن الرجل كان أيضاً واقعياً، ورأى أن البشر أنواع وينقسمون إلى فئات أو درجات، وعلى هذا الأساس قسمهم تقسيماً رأسياً على أساس اجتماعى حسب مهامهم الوظيفية، ولكنه لم يقسمهم أفقياً على أساس المكان. وعلى أساس هذا التقسيم ضمت مدينته الفاضلة جميع المواطنين بغض النظر عن وضعهم الاجتماعى أو الفئوى. وأظن أن هذا هو البعد الغائب فى العاصمة الإدارية، لعل تحقيقه يجعل أفلاطون ينام قرير العين فى مرقده بتحقق الحلم الذى راوده بتأسيس مدينته الفاضلة ولو بعد حين!

 

 

[email protected]