عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

«إذا زاد الشىء علي حده فقد ينقلب إلى ضده».. هذا مبدأ إنساني ربما ينطبق أشد ما يكون الانطباق على بعض مشروعات الإسكان التي تعلنها جهات مختلفة في ظل الفورة العقارية المشتعلة في مصر مؤخرا. غير أنه إذا كان يمكن لنا قبول أن السعي وراء الربح المبالغ فيه ربما يكون هدفا رئيسيا للقطاع الخاص، فإن تحول الأمر إلى مبدأ رئيسي للقطاع العام أو الحكومي قد يمثل قضية يجب التوقف عندها بالاهتمام خاصة اذا كان لذلك تداعيات قد تكون بالغة السلبية على السوق العقاري بشكل خاص وعلى مجمل النشاط الاقتصادي في مصر بشكل عام.

أقول ذلك وفي ذهني مشروع في العاصمة الإدارية الجديدة تطرحه حاليا إحدى الشركات التي تمثل وزارة الإسكان عبارة عن فيلات من المنتظر حسب الحملة الإعلانية التي تنظمها الشركة تسليمها بنهاية عام 2019. ليس ذلك بيت القصيد، أو المقصد، وإنما الهدف أو المقصد هو مساءلة الشركة عن الأسعار التي تعلن عن البيع بها ومدى منطقيتها ومستوى الربحية فيها وهل هو مستوى مقبول أم يدخل في عداد ما قد يصعب توصيفه حتى لا نتجاوز في حديثنا الهدف الذي نقدم هذه السطور من أجله؟

في إطار النظم الحديثة للدعاية التي تعتمد على اختيار التواصل مع من يتم توسم كونهم عملاء محتملين جاءني صوت مندوب التسويق يعرض عليّ شراء فيلا من الفيلات. الصوت لشاب في سن أبنائي فلم أشأ أن أحرجه ورغبت في الاسترسال معه من أجل المعرفة وبحكم مهنة الصحافة التي تبحث عن الجديد. وحتى أوفر عليه الوقت والجهد في التعريف بالمشروع طلبت منه معرفة سعر الوحدة وكانت المفاجأة أنه أخبرني أن السعر غير محدد، وهنا أظهرت له قدرا من الضيق والقلق وسألته هل من المعقول أن تطالبني بدفع مبلغ مقدم يتراوح بين مائتي ألف وثلاثمائة ألف جنيه للحجز بمشروع لا أعرف ثمن الوحدة فيه؟  انطلاقا من تصوري أن عدم تحديد السعر سياسة بالغة الخطأ من الشركة مارستها للأسف من قبل في مشروع لها شبيه في العلمين بالساحل الشمالي، وسبب لها مشاكل جمة مع العملاء.

 بدا على الشاب الاقتناع والخجل وأغلقت الهاتف على هذا النحو. غير أنه فاجأني بعد يومين باتصال يبشرني خلاله بأنه تم أخيرا تحديد السعر. المهم أن مندوب التسويق راح يخبرني أن سعر الفيلا المستقلة والتي تصل مساحتها لنحو 380 مترا مباني يقدر بنحو ثمانية ملايين ومائتي ألف جنيه، إذا كانت غير مميزة وإذا أضفنا لها نسب تميز فستصل إلى تسعة ملايين جنيه، بالتقسيط على خمس سنوات! وبحسبة بسيطة وجدت أن سعر المتر المربع يتجاوز عشرين ألف جنيه!!!

أعترف أنني أسقط في يدي وشعرت بدوار من هول المفاجأة ومن ضخامة المبلغ الذي لا يتوازي بأي حال من الأحوال مع نوع أو طبيعة السلعة المعروضة أمامي. أعرف طبعا أن هناك أشياء يمكن أن يتجاوز ثمنها الرمزي ثمنها الحقيقي، مثل شقة كانت تقيم بها أم كلثوم مثلا، فلو أن ثمنها مليون جنيه يمكن أن تباع بعشرة ملايين. حضرت مرة مزادا على «برنيطة» زاهي حواس ورغم أن ثمنها لم يكن عاليا بشكل كبير إلا أنه يتجاوز قيمتها الحقيقية لأنها تخص في نظر الأجانب عالما كبيرا في الآثار المصرية. لكن أن يصل ثمن فيلا في العاصمة الإدارية إلى هذا المستوى من السعر رغم أن تكلفتها قد لا توازي في أفضل التقديرات مليون جنيه مثلا، فأمر يدعو للتساؤل والدهشة والوقفة مع النفس؟ ولا حجة للبعض هنا للقول إن القطاع الخاص يبيع بأسعار شبيهة، حيث إنه لا يوجد من يبيع بهذا السعر على الإطلاق بما في ذلك الشركة التي أسست تجمعات قريبة من العاصمة الإدارية ويضرب بها المثل في الجودة والانضباط.

 هل بمثل هذه السياسة نشجع على السكن في العاصمة الإدارية؟ أعرف أن تفاصيل إدارة المشروع بما في ذلك سياسة التسعير ليست من الشركة المسوقة وأنها تأتي إليها من وزارة الإسكان رأسا كما شرح لي ذلك أحد المسئولين، غير أنه بغض النظر ألا يستحق الأمر وقفة للتساؤل حتى عن جدوى مثل هذه السياسة؟ أم أن الأمر يتعلق بأمور ترقى الى مستوى القضايا التي لا يجب إثارة النقاش بشأنها؟ في اعتقادي الموضوع يستحق إثارته على مستوى عام ولهذا كانت هذه السطور للقارئ الكريم!

[email protected]