عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نقطة ساخنة

احتلت بريطانيا مكانتها العظمى فى العالم الحديث، ليس بصفتها الإمبراطورية التى لم تغرب عنها الشمس قروناً من الزمان.. بل بكونها أعرق الدول الديمقراطية.. فالإمبراطورية أسقطت، والمستعمرات زالت وغربت عنها الشمس.. وبقيت الديمقراطية البرلمانية البريطانية نموذجاً تحتذى به الشعوب المكافحة الطامحة إلى الحرية والعدالة والشرف والكرامة.. وترنو إليها أنظار الشعوب المقهورة وهى تسعى الى الخلاص من وصمة الاستبداد والطغيان.. خاصة وقد أصبحت «الديمقراطية» تعويذة العصر لأى نظام سياسى.. حتى عند الحكومات غير الديمقراطية أو المستبدة.. وبات البرلمان الإنجليزى صاحب السلطة الأولى فى بلاده،  حتى قيل على سبيل المبالغة: «إن البرلمان الإنجليزى قادر على أن يفعل كل شىء إلا أن يقلب الرجل إلى امرأة، والمرأة إلى رجل».. وقيل أيضاً: «ليس المنطق هو الذى يحكم إنجلترا، وإنما يحكمها البرلمان».. وهو قول يعبر عن اعتزاز الإنجليز ببرلمانهم وثقتهم بأنه الممثل الحقيقى لإرادتهم.. ومن ثم يستحيل على البرلمان البريطانى أن يمارس التعسف أو الاستبداد أو الخروج على الدستور.

كيف تخمرت ثورة الشعب الإنجليزى ضد الاستبداد، حتى استقرت فى تلك  الصيغة المثلى للعلاقة بين الحاكم والمحكوم؟!.. وكيف وضع الإنجليز الدستور لتقييد سلطات الملوك وإقرار حقوق الشعب؟!.. وكيف حافظ العرش والشعب معاً على بنود هذا الدستور رغم أنه غير  مكتوب؟!.. وكيف  تطورت النظرية الديمقراطية القديمة حتى وصلت الى الإنجليز فى مفهوم حديث يشير الى نمط من الحكم يتسم بحكم الشعب.. ويعنى ممارسة السلطة السياسية بواسطة الأكثرية أو الأغلبية بدلاً من حكم الفرد أو الأقلية المحدودة.. أى توزيع القوة السياسية بين أطراف اللعبة داخل المجتمع؟!.

هذه الأسئلة وغيرها لها أهمية كبرى فى تفهم الخبرة الديمقراطية البريطانية وتطورها عبر القرون، حتى بلغت مرحلة النضج والاكتمال فى عصرنا هذا.. وقصة الكفاح البرلمانى والدستورى فى إنجلترا قصة طويلة مليئة بالحكم والعبر والعظات.. والحرية الإنجليزية ليست وليدة منحة من الملوك والنبلاء، ولكنها ثمرة كفاح نبيل، خاصة الشعب الإنجليزى الذى دفع فيها الغالى والنفيس، حتى استخلص حقوقه من براثن الطغاة.. فما أكثر الثورات والانتفاضات التى قام بها الإنجليز ضد استبداد الملوك.. وما أكثر الدماء التى أريقت حتى نال الشعب  الإنجليزى حقوقه وحرياته كاملة، وأصبح البرلمان هو «صاحب الجلالة الفعلى فى المملكة البريطانية».

يبقى أن نقول: إن الشعب البريطانى، والساسة فى بريطانيا، والملك.. جميعهم حرصوا على أن يظل البرلمان البريطانى رمزاً للحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة.. لذا صار من أهم البرلمانات فى العالم.. وهذا هو ما جعل بريطانيا تظل دولة عظمى رغم سقوط الإمبراطورية، ورغم أن المستعمرات زالت وغربت عنها الشمس.. ويكفى القول إنه حدث أثناء الحرب العالمية الثانية، أن تم إنشاء  مطار  حربى بالقرب من إحدى المحاكم فى العاصمة البريطانية لندن، وهو ما أزعج القضاة وجعلهم لا يستطيعون أداء عملهم لتحقيق العدالة.. وقد رفع الأمر الى البرلمان الذى انتصر للقضاة والعدالة، وأمر البرلمان بنقل المطار الحربى، وهو ما نفذه رئيس الوزراء «ونستون تشرشل» دون تردد.. وقال كلمته الشهيرة: «أقبل أن يقال إن بريطانيا خسرت الحرب.. ولا أقبل أن يقال إن العدالة منتقصة فى بلادنا».

الخلاصة: البرلمان القوى، يأتى بانتخابات  حقيقية، حرة ونزيهة تعبر عن إرادة الشعب  وتمثله تمثيلاً حقيقياً لا مزيفاً.. هذا البرلمان القوى هو الذى يصنع دولة عظيمة، أركانها: «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية».