رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

موجة من التعليقات «الوطنية» اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الفائتة، بعد فوز الممثل الأمريكي رامي مالك بجائزة الأوسكار، بعد أدائه لشخصية المطرب ومؤلف الأغاني فريدي ميركوري في فيلم «بوهيميان رابسودي».

ورغم الكوارث التي نتعرض لها، من إهمال وإرهاب، وحوادث مفجعة ودامية، إلا أن عاصفة التعليقات، لم تتوقف حتى الآن، في محاولة «بائسة» لربط فوز رامي مالك بجائزة الأوسكار بأثر الجينات المصرية!

على مدى أيام، أقيمت الأفراح و«الليالي الملاح» تحت شعار «الجينات المصرية تفوز»، رغم أن الممثل نفسه سبق أن قال في مقابلة تلفزيونية إن لديه أصولًا يونانية، ولم نسمع حتى الآن أن اليونانيين احتفلوا بتلك الجينات!

كلنا نعلم أن رامي مالك ينحدر من أسرة مصرية قبطية أرثوذكسية، هاجرت إلى الولايات المتحدة في العام 1978، ولكن الأضواء «الكاشفة» سُلِّطت فجأة على ذلك الشاب، الذي لم يكن يعلم عنه أحد شيئًا.. لا في مصر ولا في غيرها!

المتابع لأحوال الشعب المصري، يلحظ بوضوح، أنه على مدى عقود، يحاول جاهدًا تلمس أي شيء إيجابي، في محاولة لـ«التمسح» بأي إنجاز لم يكن له فضل أو سبب في تحقيقه أو دعمه، كما هو الحال مع رامي مالك، الذي لم يقل شيئًا سوى إشارة عابرة إلى أنه من مصريَيْن مهاجرَيْن، أثناء وقوفه على منصة الأوسكار!!

أسبوع كامل ـ منذ إعلان فوزه بالأوسكار ـ أصبح رامي مالك الـ«تريند» الأول، في مصر والعالم العربي، حيث لم تتوقف النقاشات والمزايدات والمشاحنات على السوشيال ميديا، خصوصًا تلك التي تتوقع مصيره لو أنه بقي في مصر، وأي حال سيكون عليها؟!

جميع التعليقات في أغلبها ممتعة وطريفة، لكن جزءًا كبيرًا منها يدور في إطار نقاش آخر حول الهجرة إلى مجتمعات «متحضرة»، وما يمكن أن تصقل المواهب والمبدعين، وبالطبع تحضر أسماء لبارزين في عدة مجالات، مثل أحمد زويل ومحمد صلاح وعمر الشريف.. وغيرهم.

إنها قضية في غاية الأهمية، تلك التي تتعلق بهجرة الأدمغة والكفاءات والمبدعين من بلادي، بل ربما تكون واحدة من أهم وأخطر المشاكل التي تواجهنا.. فبدلًا من الاستفادة من هؤلاء والحفاظ عليهم والإعلاء من شأنهم، نرى دولًا أخرى تُقدم لهم إغراءات يسيل لها اللعاب، لكسبهم والاستفادة منهم في بلدانها!

إذن، الحقيقة أن أغلب العقول ومعظم المبدعين والمتميزين، يهاجرون من مجتمعنا «الطارد»، بسبب عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، ليجدوا ـ للأسف ـ أوطانًا بديلة، تُعلي من شأنهم وتحتضنهم، اعترافًا بقيمتهم وكفاءتهم!!

نعتقد أن مسألة هجرة الكفاءات المتميزة يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول غياب التخطيط العلمي السليم، وقلة الإنفاق على البحث العلمي، وانخفاض مستوى المعيشة، وغلاء الأسعار، مقارنة بالرواتب المغرية في الخارج التي تصل إلى عشرات أضعاف ما يتقاضاه في مصر.

على مدى عقود، نعاني من تراكم موروث الفساد والمحسوبية والبيروقراطية، مع عدم إتاحة الفرص، أو الاحتواء والاستفادة من الخبرات والمهارات، أضف إلى ذلك إلحاق الكفاءات بأعمال لا تتلاءم مع خبراتهم ومهاراتهم وتخصصاتهم!

أخيرًا.. إن الريادة العملية والتكنولوجية في الخارج لم تأتِ من فراغ، أو بضربة حظ، ولذلك يجب التخطيط بشكل جديد ومختلف «اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا وتعليميًا وصحيًا» للحفاظ على أصحاب الكفاءات العملية والفكرية والأدبية لخدمة الوطن، لا أن نكتفي برفع الروح المعنوية والشعارات والأغاني الوطنية!!