رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

 

لا شك أن الإنترنت يعد واحداً من أهم التقنيات والاختراعات التى أبدعها البشر فى الثلث الأخير من القرن العشرين وأن ما حدث من تطورات عليه عبر السنوات القليلة السابقة من القرن الحادى والعشرين وحتى الآن قلبت وغيرت الكثير من المفاهيم والأمور التى استقرت فى الحياة البشرية طوال القرون السابقة. ولمن لم يعرف بعد، فالمقصود بالإنترنت، تلك الشبكة العنكبوتية التى خلقت ذلك المجتمع الافتراضى غير المرئى الذى سمح بتداول كل المعلومات البحثية والعلمية والشخصية وأتاح على أكبر نطاق ممكن المشاركة المعرفية بين البشر فى كل أنحاء العالم على أساس من المساواة والتعاون بين الجميع.

لقد قامت الهندسة المركزية للإنترنت والبث الواسع للتطبيقات المتعددة بإنشاء قواعد الشبكات المعرفية للتواصل الأفقى للابتكار المتزايد والتنظيم، واستهدف ذلك خلق مجتمع إنسانى أكثر حرية وأكثر انفتاحاً تكون المعرفة فيه متاحة للجميع ويتشارك فيها الجميع، ومن ثم يمكن للأفراد اختراق الحواجز المؤسساتية والتنظيمية بفضل هذا الربط الشبكى الموسع كما يمكنهم بالتالى مواجهة الاستبداد السياسى الذى يقوم على التصور الهرمى الجامد وخلخلته لصالح ديمقراطية المعرفة والمشاركة السياسية التى تسوى بين الجميع.

وبعبارة أخرى فالإنترنت –كما عرفته «ويكيبيديا»– يمثل شبكة اتصالات عالمية تسمح بتبادل المعلومات بين شبكات أصغر تتصل من خلالها الحواسيب حول العالم وتعمل وفق أنظمة محددة أو بروتوكول موحد، وتشير لفظة إنترنت إلى جملة أو مجموع المعلومات والمعارف المتداولة عبر الشبكة وأيضاً إلى البنية التحتية التى تنقل تلك المعلومات عبر قارات العالم. ويقول الفيلسوف الفرنسى بول ماتياس فى كتابه «ما الإنترنت؟ » أن انخراطنا فى ممارستنا على شبكة الإنترنت يتمحور حول أربعة أشكال؛ أهمها تلك الخدمات والمزايا التى يمكن أن تتحصل عليها؛ ففى المجال الاقتصادى يفتح الإنترنت المجال واسعاً للازدهار الاقتصادى، وفى المجال الثقافى تتضاعف أشكال المعرفة والمعلومات، وفى المجال السياسى يمكن تعميم الديمقراطية، وعلى الصعيد الفردى يتمكن الأفراد من تطوير قدراتهم وزيادة طاقتهم لاستيعاب واكتساب المعارف والمعلومات الجديدة.

وبالطبع فقد كان الصبية والشباب منذ نشأة الإنترنت وحتى الآن هم الفئة الأكثر تفاعلاً معه وأكثر المستخدمين استفادة من مزاياه؛ إذ يقول عالم الاجتماع الفرنسى ريمى ريفيل المتخصص فى اجتماعيات الإعلام فى كتابه «الثورة الرقمية – ثورة ثقافية» أن الشباب فى هذه الفئة العمرية يكون همهم البحث عن التواصل مع الآخرين نتيجة الحاجة إلى معرفة أصدقاء جدد بعيداً عن العائلة ويجدون ضالتهم من خلال الإنترنت حيث يسبحون فى فضائه ليجدوا أقرانهم من هذا الجيل الرقمى حيث التقارب فى الأذواق والاهتمامات المشتركة، فالمحادثات وتبادل الصور والفيديوهات والملفات الموسيقية والإبداعات الشخصية والألعاب تحفزهم على الدخول فى روابط متدرجة الكثافة وتجعلهم يقدمون ويقبلون أكثر على الحياة، لقد أصبح الإنترنت يشكل علامة فارقة بالنسبة لهذه الأجيال الشابة سواء الحالية أو المستقبلية فهو يمكنهم من ابتكار وصياغة ذواتهم المستقلة. وقد كشف بعض المختصين عن أن الحرية التى يتمتع بها الصبية والشباب فى التعبير عن أنفسهم عبر هذا الفضاء الرقمى بما فيه من أدوات التواصل الاجتماعى جنّبتهم الشعور بالكآبة؛ فقد أصبحت أداة للتنفيس عن الذات والتعبير الساخر عن كل ما يشعرون به تجاه المجتمع والسلطات القائمة فيه، بدءاً من السلطة السياسية والدينية حتى سلطة الأب والأم فى الأسرة.

وإذا كان ذلك هو مبلغ اهتمام الشباب بمنفعة الإنترنت على الصعيد الاجتماعى، فإن منفعته على الصعيد الثقافى والبحث العلمى لكل الأعمار أصبحت بلا حدود حيث ساهم المخزون المعلوماتى بما فيه من كتب وأبحاث علمية ومجلات تخصصية وسهولة الحصول على كل ذلك بمجرد ضغطة زر، ساهم فى نشر المعرفة العلمية ودمقرطتها. وبالطبع فكما سهلت الشبكة الرقمية تبادل المعلومات وقربت بين البشر ثقافياً، فقد ساهمت بشكل أكثر فعالية فى حركة التجارة والاقتصاد العالمى بين الشركات وبين الأفراد فى آن واحد. أما فى مجال الاعلام والتغطيات الاخبارية فقد أصبح العالم بفضل وسائل التواصل الاجتماعى أشبه بقرية واحدة حيث تصل المعلومات للجميع عن الجميع فى نفس اللحظة التى تحدث فيها فى أى مكان فى العالم بجهاته الأربع.

أما فى المجال السياسى، فقد بلغ تأثير الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى، خاصة «الفيس بوك» والرسائل القصيرة والفيديوهات الهادفة والرسائل الإلكترونية مرتبة خطيرة حيث لعبت أدواراً رئيسية فى العملية السياسية منذ الانتخابات الأمريكية عام 2008 فقد كسب بها باراك أوباما هذه الانتخابات لدرجة أدهشت كل المراقبين والمحللين السياسيين، لقد نجح أباما وفريق عمله فى الوصول إلى الناخب الأمريكى شاباً كان أو شيخاً واقترب من الجميع وتواصل معهم. لقد راهنت حملة أوباما الانتخابية بقوة على الإقناع بواسطة الإنترنت ونجحت فى حشد الكثير من المؤيدين والمتعاطفين، ولقد استطاع هؤلاء المؤيدون فى ثنايا ذلك التواصل فيما بينهم من أجل اختراق الآخرين وفتح لائحة تليفوناتهم والاتصال المباشر بهم واستقطابهم عن طريق الرسائل القصيرة وغيرها من الوسائل. وقد كانت هذه الانتخابات علامة فارقة حيث أصبح استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى المختلفة من الأدوات الرئيسية لجذب المؤيدين وإقناع المترددين فى كل صور الانتخابات وفى جميع بلدان العالم تقريباً.