رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

من الرجال ما لا تستطيع نسيانه أبداً، ومهما فعلت فلن تفيه حقه ولا تكافئ له فضلاً باقياً تركه فيك، وبخاصّة فيما لو كان هذا الرجل أستاذك، غرس فيك القيم النبيلة من حبّ العلم لذاته، والصبر عليه، والسعى لخدمة طلاب البحث العلمى، والإخلاص فيه، وانتظار الجزاء من الله لا من العباد، واحتساب العمل لأجله.

وإذ تمرُّ علينا ذكرى وفاته السابعة نذكره، مع إنّا لم ننسه، فنذكر المُفكر الذى عاش فكره غير مفصول عن واقعات الحياة. فيلسوف من طراز من الناس ممتاز، تتقدَّم لديه القيم الإنسانية فيوليها كل اعتبار، رعاية وعناية وموالاة، لا يعزل فكره عن إنسانيته، ولا الإنسان فيه بمعزل عن فريضة التفكير. جانبان فى حياته هما أهم وأجدر بالحديث عن سواهما، وإنْ كانا هما كل حياته العامة والخاصّة: الإنسانية والتفكير. عاطف العراقى المفكر الإنسان، أستاذ الفلسفة (المولود فى مركز شربين - دقهليّة فى الخامس عشر من نوفمبر 1935م، والراحل عن عالمنا فى يوم الأربعاء الموافق 29/2/2012م عن عمر يناهز 77 عاماً)، رجل هذّبته المعارف فأعطى منها وأبقى، وترك للعقل العربى ذخائر لا يجحدها إلا مُكابر. إنما العراقى فى فلسفته وحياته كان قيمة كبرى للوعى، وقيمة كبرى للعقل، وقيمة كبرى للنقد وللتنوير. هذا الأستاذ الذى أخلَصَ للفكر إخلاص الصادقين، وتحمل تبْعة الرسالة فى شجاعة العارفين، لا يعرف للّين ولا للهوادة طريقاً، إذا اتصل الأمر بكرامة القلم والطعن فى تقديس الرسالة وخيانة الواجب وزراية الأمانة العلمية. وبما أنه كان مفكراً طلعَة شغوفاً بالتأليف والتدريس وتعليم الطالبين. فكان فى الوقت نفسه هو هو المفكر «الإنسان» الذى ارتضى لنفسه ولأمته العربية طريق النور العقلى تسير فيه: إيمانه بالعقل وقدرته على توظيفه فى خدمة قضايا وطنه موصول منذ أن وعى حياةً علميةً منتجةً إلى أن توفاه الله.

آمن بالتجديد والإبداع والابتكار كمعالم تنويرية، ولم يكن كتابه العقل والتنوير بقضاياه المتنوعة وشخصياته الفريدة إلا اثراءً لهذا الإيمان من جانبه، وتقويضاً لدعائم الأفكار الظلاميَّة فى مناهج التعليم إذ نبّه إليها وحذر من انسياق الناس وراءها.

بديهيّاً؛ إنّ النظرة التجديدية كما يَرَاها العراقى لا تقوم على رفض التراث جملة وتفصيلاً كما لا تقوم على الوقوف عند التراث كما هو ودون أيّة محاولة لتأويله أو تطويره، ولكنها تعدُّ معبرةً عن الثورة من داخل التراث نفسه: إعادة بناء التراث ليكون متفقاً مع العصر الذى نعيش فيه، والفرق كبير جداً بين التمسك بالبناء القديم كما هو بصورته التقليدية وبين إعادة بناء (Reconstruction) التراث ممّا لا يحمل مطلقاً فى طياته هدماً أو رفضاً.

وبفقدان نظرة التجديد ممَّا قد يوجد فى بعض كتب التراث، وممَّا من شأنه أن يقدّم منه لطلابنا فى مراحل التعليم الجامعى من دراسة للآراء العلميّة لدى العلماء العرب أمثال جابر بن حيان وابن سينا والحسن بن الهيثم وأبى بكر الرازى وغيرهم من علمائنا العرب، فقدنا بالتالى الأهليّة التى بها يتكوَّن العلم وتتنامى ناهضةً تلك الروح العلمية، إذْ كان هذا كله لا يساعد على الإبداع ولا يقوّمه ولا يقوّيه؛ لأن الطابع الكمى غالب عليها بدلاً من الطابع الكيفى.

وباتجاه النظر إلى دور الجامعة الأكاديمى، لم يعد ممكناً فى ضوء الآلاف المؤلفة من الطلاب، وفى ضوء مأساة الكتاب الجامعى والمناهج التعليمية العقيمة، وطمع الأساتذة والمدرسين فى أكل السحت والمتاجرة بالمذكرات المسروقة من وراء تعليم الطلاب إنْ فى المدارس وإنْ فى الجامعات، لم يعد ممكناً الحديث عن دورها الثقافي. إنّ إطلالة عارضة على واقع الجامعة لينذر بالخطر حقاً؛ فليس بأمين على رسالة الوطن من يُلاحظ انهيار الجامعات المصرية ولا تأخذه الغيرة على بلاده فينبه إلى مواضع الخطر ويتخذ من النقد سلاحه فى التنبيه والتطهير.

فلئن كان المنهج الذى اتخذه العراقى لنفسه، وتكوّن عنده منذ أكثر من أربعين سنة هو المنهج العقلانى النقدى التنويرى، فلأنه المنهج نفسه الذى سَبَقَهُ إليه مفكرون كبار على مدار نصف قرن من الزمان ممَّن نهضوا على نفس الطريق قبله كأحمد لطفى السيد، وطه حسين، وزكى نجيب محمود، وفؤاد زكريا وغيرهم ممَّن كانت دعوتهم دائمة غير منقطعة لفكرة التقدّم عملاً وعلماً، فالعالم ليس فيه مكانٌ للضعيف لا من جهة النظر ولا من جهة العمل، ليس فيه إلا القوى علماً وعملاً حتى إذا ما أخذ المفكرون دورهم المنشود فى مجتمعاتهم لكى يحققوا تقدماً بين الدول المتقدمة رأينا العراقى يصرخ فى لوعة مخامرة: أصبحنا كعرب أضحوكة بين أمم العالم، الأمم التى أرادت لنفسها التقدُّم إلى الأمام فلم يعد فيها مكان إلا للأقوياء ممن ملكوا أدوات العصر وآلياته، علماً من جهة الإبداع، وتكنولوجيا من جهة التطبيق.