عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هذه الدنيا

نردد كثيرًا أن القطاع الخاص شريك أساسى فى التنمية، ونقول ونعيد ونطالب الدولة بأن تفسح له مجالًا ليشارك فى التنمية لأن الدولة لن تفعل كل شىء بنفسها.

ومن جانبها، قطعت الدولة شوطًا طويلا مع القطاع الخاص خلال الثلاثين عامًا الماضية.. خصصت له الأراضى، ومنحته الإعفاءات، وقدمت له التيسيرات والحوافز ليكون له موطئ قدم على أرض مصر.

والقطاع الخاص من حقه أن يكسب طالما يعطى الدولة حقها، ومن حق أصحابه أن يسعوا لتعظيم أرباحهم ومكاسبهم فى إطار القانون، ومن ينكر ذلك هو كمن يتعامى عن حقائق الوجود.

وهنا تسألنى: لماذا كل هذه المقدمات الطويلة؟ وماذا حدث حتى تعيد رصد هذه الحقائق؟

والإجابة: إنه مع إقرارنا بحق القطاع الخاص فى كل ما ذكرت، فإنه ليس من حقه أن يستغل حاجة الناس للعمل ويتغافل عن حقهم الطبيعى فى تأمين أسرهم من شر السؤال إذا تعرض العامل لمكروه.. هناك مسئولية أخلاقية قبل أن تكون قانونية عن العمالة التى تستعين بها الشركات الخاصة فى مصر، سواء كانت مملوكة لمصريين أو تم بيعها لشركات أجنبية.. من حق هذه الشركات أن تعمل وتربح بل وحتى تكدس أرباحها، ولكن ليس من حقها أن تأكل أموال اليتامى مهما كان شكل الحماية القانونية التى تحيط بها نفسها.

والقصة باختصار، إن أسامة جرجس حنين مسيحة.. شاب من إحدى قرى محافظة القليوبية، فى أواخر الثلاثينيات من العمر، خرج إلى الحياة ولم يكن هناك متسع ليلتحق بالعمل الحكومى، وفى مرحلة زمنية رددت فيها الدولة وإعلامها كلامًا كثيرًا عن ضرورة التخلى عن «الميرى وترابه» التحق بالعمل فى إحدى شركات المقاولات الكبرى والتى تدير أعمالًا عملاقة داخل مصر وخارجها.

أثبت أسامة نجاحًا كبيرًا فى عمله كمشرف تشطيبات، وكان محل ثقة مسئوليها، حتى أن استعانوا به فى العمل بأحد مشروعاتها التى تنفذها فى دولة الجزائر الشقيقة.

عاد أسامة من الجزائر، واستمر عمله فى الشركة بالعاصمة الإدارية الجديدة.. لم يكن يشغل تفكيره أكثر من أن يحصل على راتبه لينفق منه على أسرته المكونة من زوجته وأطفاله الأربعة وأصغرهم طفلة عمرها سنة ونصف السنة، بالإضافة إلى أمه المُسنة.

شاءت إرادة الله أن يفارق أسامة الحياة فجأة.. لم يصحُ من نومه فى الصباح الباكر كالمعتاد.. التف الأطفال الأربعة وأمهم حول جثمان أبيهم المسجى فى غرفته بعضهم يدرك فجيعة ما حدث، والبعض الآخر ينظر ولا يعلق لأنه فى سن أصغر من أن يفهم ما يجرى حوله.

استفاقت الأسرة من دوامات الموت وطقوسه، وسألت الزوجة عن معاش زوجها.. والمفاجأة: أسامة ليست له تأمينات اجتماعية.. هل تتخيلون أن شابًا أفنى 17 عاما من عمره بالعمل المتواصل فى شركة لم تسدد له جنيها واحدًا تأمينات، فيما عدا السنة التى عملها بالجزائر. أبلغهم موظف التأمينات أن المُسدد تأمينات عام واحد، وأنها لا تنفع ولا تشفع فى أى معاش.

لجأت لى أسرته، فأجريت اتصالًا بإدارة الشركة، وكان الرد قاسيًا: ومين اللى قال له يوافق أنه يشتغل عندنا من غير تأمينات؟

قلت: الاشتراك فى التأمينات مسئوليتكم أنتم، عليكم سداد أقساطها كما تسددون الضرائب؟

قالوا:.. ولو.. مالناش دعوة، هو وافق على أنه يشتغل عندنا بالشكل ده.

هذه السطور أضعها أمام ضمير المهندس نجيب ساويرس، لأنه حتى وإن كانت هذه الشركة قد تم بيعها إلى شركة هولندية، فالمؤكد أن اسم المهندس نجيب وعائلته العريقة سيبقى هو الراسخ فى أذهان المصريين كلما تردد اسم هذه الشركة.

ليس هناك أصعب على الضمير من نظرة انكسار فى وجه طفل يتيم.

[email protected]