رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

يزعم أنه شعب متدين بالفطرة.. أو هكذا يدَّعي! غير أن الواقع المُعاش يشير إلى عكس ذلك، لأنه يعيش حالة من الارتباك تنتابه، كلما واجهه أحد بحقيقته التي لا يريد الاعتراف بها!

ورغم أنه يواجه تحديات تنوء بحملها الجبال، لكنه يعيش في غيبوبة - بإرادته أو مُكرَهًا - تجعله يعاني ازدواجية مفرطة، ظاهرها «التدين» وجوهرها أقنعة زائفة، تعميه عن رؤية الحقيقة!

بالطبع لا نتحدث عن وطن بأكمله، لكننا نعني شريحة لا يُستهان بها، تستسيغ الكذب والخداع.. تعيش دائمًا في مهرجانات النفاق، ولا تمتلك عقيدة راسخة أو أصولًا ثابتة أو حتى قواعدَ معروفة.

أسهمت تلك الفئة، في تأصيل سلوكيات سلبية، ساهمت في توسيع انتشار رقعة تزييف الوعي، والقضاء على ما تبقى من ضمائر حيَّة، لينتشر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيديهم!

مع هذه «الزمرة» نعيش زمانًا عقيمًا تصاعدت فيه قيمٌ متناقضة.. شهدت تحولًا وتبدلًا في نسقها ومفاهيمها، لتخلِّف سلوكيات أثَّرت بشكل مباشر على حياتنا، في تناقض واضح وصارخ، وادعاء أننا شعب متدين بالفطرة!

إذن، مجتمع عريق يحمل إرثًا حضاريًا زاخرًا وثراءً وتنوعًا، لكنه يتفنن في الإقصاء وتجاهل ثقافة الحوار.. يزعم القيم الاجتماعية واهتماماته فارغة.. يؤكد على الجماعية ويميل للفردية.. يؤمن بالتوكل ويلجأ للتواكل.. يتحدث عن الديمقراطية ويمارس الديكتاتورية.. ينتقد النظام سرًا وعلانية ولا يُصلح من نفسه أولًا!

مأساتنا أعمق من تجميلها بكلمات لا تسمن أو تغني من جوع، لأن مشكلتنا ـ كما يقول جبران ـ «نتزوج ولا نحب، نتكاثر ولا نربي، نبني ولا نتعلم، نصلي ولا نتقي، نعمل ولا نتقن.. نقول ولا نصدق»، لكننا نتصور أننا نأكل أكثر مما نتج، ونتكلم أكثر مما نفعل، وندَّعي الحق وهو عين الباطل، ونتصنَّع التقوى، ونقترف الموبقات، ونخشى الناس.. والله أحق أن نخشاه!

الواقع أن أحوالنا لم تتغير عن ذي قبل، بل زادت نكوصًا وترديًا.. تفاقمت السلبيات إلى أضعاف مضاعفة، وتوهمنا أن أي تغيير سيأتي بالأفضل، بعد إزاحة «كابوس الرجعية»، فإذا بالأوضاع تنزلق إلى هاوية خطيرة.. يومًا بعد يوم!

لعل تاريخنا الطويل، المتجذر في الاستبداد، منذ عصور الفراعنة، أفرز علاقة مريضة بين الدولة والمجتمع.. بين النخبة والعامة، حتى أصبح الأمر أشبه بامتلاك الدولة للمجتمع.. ترعاه كطفل وتتحكم به مثل الجارية.

إذن، المحصلة مجتمع يعيش تقريبًا في غيبوية، أو على الأقل في حالة شديدة من البلادة والنفاق والفساد وانعدام الضمير، نستطيع تلمسها تقريبًا في كل ما يحيط بنا.. والنتيجة المحققة انزلاق سريع نحو الهاوية!

غابت المسؤولية والمساءلة، وتداعت القيم بموت الضمائر التي لاذت بالصمت غير المبرر، والنتيجة إعادة تكريس الخلل المجتمعي، لكن في الاتجاه المعاكس، حيث تم الانتقال مباشرة من تغول الدولة إلى تغول المجتمع، الذي بدوره يعاني استمرار كثافة الأزمات التي عاشها وتجرعها.. جهلًا وفقرًا ومرضًا!

الحقيقة المؤلمة أننا لا نجد تبريرًا لحالة النفاق السائدة في المجتمع، أو تفسيرًا لبشاعة المشهد الحالي، وما يكتنفه من ابتزاز وأنانية وفوضى، إلا بجملة واحدة «أننا بالفعل نعيش مرحلة من الانحطاط المجتمعي».

أخيرًا.. بقدر ما نحتاج إلى نظام قوي ورشيد، قادر على أن يشرح نفسه ويُقنع شعبه، بتحقيق إنجازات حقيقية ملموسة، يمنح الأمل ويرسخ قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، إلا أننا بالضرورة في أمسِّ الحاجة إلى شعب يعي ويقدر، يعمل ويجتهد، يستعيد أفضل موروثاته ليتجاوز المِحَن والتحديات.

[email protected]