عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

سأعترف لكم أننى كُنت آخر.. أكثر تعصبا، وأشد تطرفا، وأقسى روحا مما أنا الآن، كُنت إسلاموياً، دينياً، أقرب إلى الفكر الجهادي.

كان الإسلام سياسة عندي. دين ودولة وحياة. تشريع وحدود. كُنت أكرر ما يقولونه بأننا نعيش فى مجتمع جاهلى لا يحكم بما أنزل الله. يُشرع لنفسه ويعتدى على أحد خصائص الإله. كُنت مُنبهرا بسيد قطب، وأراه ذلك المفكر المثالى الذى أعاد اكتشاف الإسلام، فدفع حياته ثمنا.

كُنت مذبذبا وطائعا ومروجا لفكرة «جاهلية المجتمع» التى ترسخت كثيرا بفضل كتيبات صغيرة كنا نتداولها فى الجامعة عن معنى «لا إله إلا الله» ومظاهر الشرك الحديثة، وسمات الجاهلية التى يجب أن نخاصمها ونرفضها ونكره أهلها تقربا إلى الله.

وأتذكر يوما أن انتشر بين الطلبة فى جامعات مصر كتاب صغير لا يتجاوز المئة صفحة، كتبه وكيل نيابة مستقيل بعنوان «مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة» يكرر فكرة سيد قطب طارحا ضرورة الجهاد ضد هذا المجتمع الذى لا يحكم بما أنزل الله. قرأت الكتاب بانبهار ووله وأعجبت بكاتبه الذى قيل لى إنه أحد عباقرة الفكر الإسلامى القادمين.

ومضت السنون، وانفتحت نوافذ معرفة، وجرت مراجعات إنسانية، وخُضت تجارب، ورأيت آخرين، وتدبرت حوادث، واطلعت على تاريخ وحكايات، وصححت ذهنى وانتصرت للعقل وخلعت أردية التطرف والتعصب رويدا، ونسيت تماما اسم مؤلف كتاب «مقدمة فى فقه الجاهلية» حتى التقيته مؤخرا قبل بضعة أيام فى جلسة عصف ذهنى حول الفكر الأصولى والإسلام السياسي.

الرجل هو هو صاحب فكر التكفير الذى صبوه فى رأسى قبل ربع قرن يدعو الآن إلى نبذ الأصولية تماما. يرفض خلط السياسة بالدين ويجدها جريمة أساءت للدين وأفسدت السياسة. يقول لى بصدق وصراحة: إن الإسلام دين علماني.

خاض الرجل رحلة الهداية بتعقل. قرأ بوعى كل ما كتب عن السلطة فى الإسلام، فكك مسلماتها، واختبر نظرياتها وانتهى إلى أن خطيئة المسلمين فى القرون الماضية تمثلت فى إلصاقهم ما جرى فى التاريخ فى الدين رغم أنه ليس دينا. يقول لى إن فكر الجاهلية الذى بشر به وترك السلك القضائى يوما لأن القانون لا يحكم بما أنزل الله، هو فكر ضلال وفساد، وأن سيد قطب مسئول أمام الله عن آلاف البشر الذين آمنوا بما قال فقاتلوا وقتلوا.

يُفكك الرجل جذور التطرف الدينى فى كتبه الحديثة ويرفض أى طرح يتبنى الإسلام كحل للمشكلات الحياتية ويرى جوهر الأديان جميعا هو الإيمان بالله والتوصية بالأخلاق.

ويصل الرجل إلى تصور بعيد يقول فيه وهو القاضى السابق إن «التشريع فى الإسلام عمل اجتماعى حتى لو أيده نص دينى».

وأستغرب كلماته فيقول لى إنه شخصياً لا يمكن لأحد أن يزايد عليه لأنه كان واحدا من منظرى الإسلاموية، وأنه حلل ودرس وقرأ وتأمل ووصل إلى قانون مفاده أن الديناميكية ضرورة للدين مثلما هى حركة المجتمع، وأبسط الأمثلة على ذلك أن الرق وارد فى القرآن لكن لا وجود له اليوم.. إنه يدعو إلى التجديد والاجتهاد حتى مع وجود نص. ويتصور أن الإسلام السياسى مفسدة كبيرة قسمت الإسلام إلى اثنين.

هذا الرجل هو الدكتور عبدالقادر ياسين، المفكر الكبير الذى تحتفى به جامعات ومراكز الأبحاث العالمية، ولا يكاد يعرفه المصريون.

يسعدنى أننى قرأت له كتب «السلطة فى الإسلام»، و«الدين والتدين»، و«اللاهوت» وأرشحها لكل متذبذب، مُسيَّر، منقاد، أو منبهر بأفكار الإسلام السياسى.

والله أعلم.

 

[email protected]