رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

أحب الشيخ خالد الجندى رغم أننى لا أعرفه شخصياً، غالباً ما يصاحبنى فى رحلات قيادتى للسيارة من خلال برنامجه الدينى «لعلهم يفقهون» فيسحبنى فى عوالمه التى لا أستطيع معها أن أمنع الابتسامة من أن تتواصل على شفتى، فهو «حبوب وظريف وله حضور».. إذا أردت أن تصنفه، فإننى أقول لك أنه يمكن إدراجه باعتباره شيخ «مودرن»، هو أقرب إلى «فصيلة» الدعاة الجدد رغم أننى على المستوى الشخصى أشعر بحالة من النفور من هؤلاء – سامحنى الله وغفر لى على ذلتى تلك!

شهر رمضان، الذى أصبحنا على مقربة منه، له طعم ثانى مع خالد الجندى على إذاعة «9090» مع رفيق برنامجه الشيخ رمضان عبدالمعز، حيث الحكمة مع الموعظة مع الكوميديا.. توليفة من الصعب أن تجدها مع آخرين. لكل هذا شعرت بالقلق والغضب فى آن واحد مما راح يبثه الجندى فى برنامجه يوم الجمعة الماضى. أشعرنى منطقة بأنه يساير ويعزز التدين الشعبي، والذى ربما يعتبر هو نفسه فى التحليل الأخير من بين أهم أسباب انتشاره، وهو ذلك النوع من التدين الذى يدخل فى دائرة ما يجب العمل على تطويره إن لم يكن تغييره على قاعدة تجديد الخطاب الديني.

باختصار تطرق الشيخ خالد خلال برنامجه، لقضية بالغة الأهمية وهى الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، وهو أمر ربما يجب العمل على غرسه فى فكر المسلم المعاصر. غير أن الخلل من وجهة نظرى المتواضعة ربما تبدو فى فهم المبدأ فى حد ذاته وهو ما يبدو من تناول الشيخ الجندى خلال البرنامج.

ان المثل الذى أورده الجندى يعزز الفرضية المعاكسة وهى التواكل وليس التوكل. ففى معرض حديثه تطرق الشيخ إلى مثال كارثة تحطم المكوك «تشالنجر» الذى وقع فى 28 يناير عام 1986 ونبنها إلى دلالة الاسم فى العربية وهو «التحدى»، منطق الشيخ ولسان حاله يقول بشأن عملية إطلاق المكوك، هو أن «التحدى» – اسم المكوك وهى ترجمة تشالنجر - يعبر عن موقف وهو تحدى الله، فكانت النتيجة ما رأينا من انفجاره والذى راح ضحيته رواد الفضاء السبعة (ذكر الشيخ خالد أنهم ستة) الذين كانوا على متنه، وهو الحادث الذى كان له تأثير كبير على مسار الرحلات إلى الفضاء حيث أدت الكارثة إلى توقيف وكالة ناسا لرحلاتها لنحو 32 شهراً.

ذكرنى ذلك بتحقيق أجرته «بى بى سى» العربية خلال فترة إجراء تجربة محاكاة الانفجار العظيم الذى نشأ عنه الكون منذ سنوات، حيث أبدى مواطنون عرب رفضهم للتجربة وكان منطقهم أنها تمثل ما يمكن اعتباره تدخلاً فى علم الغيب وفيما لا يجب البحث عنه وإنما استمداد معرفتنا عنه من خلال ما ذكره لنا الدين!

أعتقد أن المشكلة فى هذا النوع من التفكير، والذى تعبر عنه هذه العقليات، ويمثل حديثنا بشأن الجندى مدخلا له، أنها لن تنتج لنا سوى التخلف الذى نعيشه، بل وتفسر تجذر هذا التخلف فى محيطنا العربى والإسلامى. 

ليس ذلك فقط بل يمكن القول إنه نوع من التفكير يتصادم مع حقيقة ما يدعو إليه ديننا، ولو أننا فكرنا بروية فى منطوق آيات القرآن الكريم الذى نسمعه ليل نهار، لوصلنا إلى هذه النتيجة. خذ مثلا الآية الكريمة رقم 53 من سورة فصلت والتى تقول: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»، من الغريب أنك عندما تراجع تفسيراً مثل تفسير الطبرى تجد فيه هذا النص: (حدثنى يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فى قوله: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الآفَاقِ وَفِى أَنْفُسِهِمْ» قال: آفاق السموات: نجومها وشمسها وقمرها اللاتى يجرين, وآيات فى أنفسهم أيضاً).

ليس القرآن فقط هو الذى يدعونا إلى التفكير فى الآفاق التى هى حسب التفسير أفاق السموات، وإنما تشير البحوث العلمية بشأن نشأة الأديان إلى أن الإنسان البدائى إنما اهتدى إلى معرفة خالقه من خلال تأمل السماء، فكان ما كان فى مرحلة من المراحل من عبادته مرة للقمر ومرة للشمس، إلى أن اهتدى إلى الإيمان بالخالق.. الله .. فى صورته المنزلة من الأديان السماوية.

وإذا كان ذلك كذلك، فلعل من طبائع الأشياء أن يتطور الأمر من تأمل السماوات إلى محاولة اختراقها، وهو الأمر الذى مثلته كل تجارب ارتياد الفضاء وحققت البشرية بسببها قفزات غير عادية فى مسيرتها ننعم بخيراتها كمسلمين، ومن بيننا خالد الجندى الذى تستطيع أن تتابع برنامجه موضوع الحديث على شبكة الإنترنت بعد قراءة المقال.. كله بفضل التقدم الذى كان غزو الفضاء أحد أسبابه!

فأن يأتى الجندى بعد كل ذلك ويحاول أن يجعلنا نتصور أن كارثة المكوك مثلت نوعاً من التحدى الإلهى فى مواجهة «تشالنجر» – التحدى البشرى، فاعتقد أن ذلك نوع من الخطأ والخطل الذى ربما يدفعنى لأن أغلق الراديو عندما يطل علينا الشيخ الجندى منه!

[email protected]