عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

يبدو أن الأيام القادمة تحمل فى جعبتها لأوروبا اضطرابات قد تفوق ما حدث فى الشرق الأوسط؛ لأسباب عديدة على رأسها موقع الشعبويين فى انتخابات البرلمان الأوروبى؟ وخاصة أن أوروبا تعوم على بحر من المظالم يعود الكثير منها إلى مئات السنين إلى جانب ما يفعله دونالد ترامب بين أروقة السياسة فى العديد من دولها ولكن الأخطر هو«الشعبوية» ذلك التيار السياسى القائم على «تقديس» الطبقات الشعبية فى بلد متبنياً خطاباً سياسياً قائماً على معاداة مؤسسات نظامه السياسى ونخبه المجتمعية. و«الشعبوية» تعبير محمل بمدلولات مختلفة بل ومتناقضة أحياناً، وهناك من يرى أنه يشمل كل خطاب سياسى موجه إلى الطبقات الشعبية فى بلد ما، وقائم على انتقاد نظامه السياسى ومؤسساته القائمة ونخبه المجتمعية ووسائل إعلامه. ولقد تكاثرت للأسف أحزاب «الشعبوية» وحركاته فى أوروبا؛ وبذلك تواجه أوروبا وضعًا معقداً؛ للمرة الأولى منذ سبعين عاماً؛ فصعود الشعبويين وتراجع القوى التقليدية السائدة مجرد بدايات ظهرت على السطح فى الآونة الأخيرة؛ فى ظل غياب الصلة بين المواطنين والأحزاب المهيمنة فخلال عقد واحد بين عامى 2004 و2015، انخفض متوسط نسبة التصويت للأحزاب التقليدية السائدة فى أوروبا بمقدار 14% ليصل إلى 72%. وتضاعفت نسبة التصويت للمنافسين الشعبيين الجدد سواء كانوا من اليسار أو اليمين لتصل إلى 23%. وتعرض يسار الوسط لخسائر غير مسبوقة.

وفى العديد من الأنظمة السياسية، وصلت المشاركة بالتصويت للأحزاب التقليدية إلى مستويات منخفضة غير مسبوقة؛ ففى ألمانيا تراجع الديمقراطيون الاجتماعيون ليحققوا أسوأ نتيجة لهم منذ عام 1933، ففى السويد تراجعوا إلى أدنى مستويات لهم منذ عام 1908؛ فلقد خسر فيها الديمقراطيون الاجتماعيون وقدموا أسوأ أداء لهم منذ قرن، بينما حقق المعتدلون من اليمين الوسط ثانى أسوا نتيجة لهم منذ منتصف الثمانينيات. وفى المقابل حقق حزب ديمقراطيو السويدى الشعبوى القومى نسب غير مسبوقة وجاء اليمين المتطرف للحكم؛ وهذا بالطبع لم يحدث بين عشية وضحاها، لكن تآكل دعم الأحزاب التى كانت مهيمنة من قبل كان مستمراً فقبل آثار الأزمة المالية العالمية، لم تقترب نسبة الناس الذين شعروا بأنهم قريبون لأى حزب إلى 54%. وهو ما مهد الطريق لصعود مجموعة من المنافسين الجدد. ومن المعروف أن نشأة «الشعبوية» تعود إلى الفترة الواقعة بين ثلاثينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر، حين بدأت نزعتها فى كل من روسيا القيصرية والولايات المتحدة. وكانت فى الأصل تُطلق على حركة زراعية ذات ميول اشتراكية سعت لتحرير الفلاحين الروس حوالى 1870، وتزامنت مع تنظيم احتجاجات فى الريف الأمريكى موجهة ضد المصارف وشركات السكك الحديدية.

وبحلول منتصف القرن العشرين أخذ هذا المصطلح صبغة وطنية واجتماعية حررته من الارتباط بالتوجه الاشتراكى، خاصة فى منطقة أمريكا اللاتينية ولا سيما الأرجنتين. وفى الحقيقة أن الخطاب «الشعبوى» يميل لتبسيط القضايا المجتمعية المعقدة وسياسيوه يحظون بكاريزما، ويبحثون عن دعم شعبى مباشر بتحديهم المؤسسات التقليدية الديمقراطية فى بلدهم، فيتلاعبون بعواطف الناس وأفكارهم لغايات سياسية، ويعتبرون أنفسهم هم الصوت الوطنى الأصيل وممثلى المواطنين العاديين أو من يسمونهم «الطبقات المنسية»؛ ومع أن «الشعبوية» ارتبطت أصلاً فى نشأتها بأوساط التيارات اليسارية فإنها أصبحت أيضًا تغزو اليمين واليسار الليبرالى الذى صار يشكل أكبر كتلة سياسية بالغرب، وربما توجد فى صفوفهما بصورة تفوق أحيانا وجودها فى اليسار خاصة فى أوروبا. وهم ذوو نزعة فى التفكير السياسى رافضة لفكرة التنوع المجتمعى ومؤمنة بالتعارض بين الشعب والنخب، وجانحة للغوغائية والفوضوية المتوسلة بمحورية دور «الشعب»؛ المختلف مفهومه ما بين حركة «شعبوية» وأخرى؛ فى الممارسة السياسية، والقائمة على التوظيف السياسى لمشاعر الغضب عند عامة الناس خاصة فى أوقات الكوارث والأزمات الاقتصادية والاضطرابات السياسية. ولقد أصبحت الأحزاب والحركات الموصوفة بـ«الشعبوية» قوة سياسية واجتماعية حاضرة بقوة بأنحاء أوروبا وبأمريكا خاصة فى أوساط اليمين المتطرف؛ وفى الواقع أن الارتفاع الحالى للتيارات «الشعبوية» يعود للإفراط فى العولمة منذ تسعينيات القرن العشرين، مع تحرير التدفقات المالية الدولية، وإنشاء منظمة التجارة العالمية، وتباطؤ النمو الاقتصادى العالمى، وتفاقم عدم المساواة فى الدخل والثروة، وانعدام الأمن الاقتصادى، وتزايد موجات الهجرة العالمية.