رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مجرد كلام

من دولة فقيرة شحيحة الموارد تتهددها اضطرابات اجتماعية وطائفية بعد حصولها على الاستقلال عن بريطانيا عام 1965 ثم انفصالها عن ماليزيا ، تحولت سنغافورة  إلى واحدة من أغنى دول العالم فى معجزة اقتصادية لم تشهدها اى دولة أخرى.

رغم أن مساحة سنغافورة صغيرة جدا لا تتجاوز 660 كيلوا مترا مربعا ولا تزال  تستورد المياه العذبة والرمال من جيرانها ، إلا أنها تحقق أعلى معدلات للنموالاقتصادى فى العالم  تتجاوز 16 % سنويا ، وتنخفض نسبة البطالة بها إلى 2% ، وارتفع  متوسط  دخل الفرد إلى 55 ألف دولار أمريكى بعد أن كان 500 فقط قبيل الاستقلال ، وأصبحت بورصتها من أهم بورصات العالم.

لكن رغم هذا التقدم الاقتصادى المذهل والذى انعكس على ارتفاع مستويات المعيشة فى هذا البلد ، لكن نظامه السياسى  لا يزال بعيدا عن الديمقراطية بالمعنى المعروف ، بل أن البعض يرى أن ما يسمى بـ « الديكتاتورية الأنيقة « هوالذى يحكم سنغافورة ، لا توجد فيه انتهاكات لحقوق الانسان بالشكل المتعارف عليه ، لكنه لا يوفر مقومات للتعددية أو حرية الصحافة ، ومع ذلك فإن مؤشرات  الفساد فى هذا البلد من أفضل المؤشرات فى العالم ، فى نفس الوقت الذى يحتل النظام التعليمى مكانة متميزة جعلت سنغافورة من افضل الشعوب المتعلمة على وجه الأرض.

لى كوان يو رئيس الوزراء السابق ومؤسس سنغافورة الحديثة والذى توفى منذ 4 سنوات ، هو الذى أدار بكفاءة هذه المعجزة الاقتصادية التى حققتها بلاده ، ونقلها من العالم الثالث إلى العالم الأول فى أقل من جيل ، بعد أن انتشلها من حافة الاضطرابات وارتفاع معدل الجرائم إلى ما أصبحت عليه الآن ، ومع أنه كان  عضوا مؤسسا بحزب العمل الشعبى ذى الصبغة الاشتراكية والذى أصبح فيما بعد أمينه العام ،وهو الحزب الذى تولى الحكم بعد الاستقلال ،  إلا أنه أدار بلاده بطريقة براجماتية لم ترتبط بالمفاهيم الاشتراكية التقليدية  ، حيث اعتمد على فلسفة اقتصاد السوق مع سيطرة الدولة على آلياته ، معتمدا على الصناعات التحويلية فى مراكمة رأس المال وتوظيفه لصالح رفع مستويات المعيشة ، مستندا إلى قيم أخلاقية ترتبط بالأمانة والعمل الجماعى الدؤوب ونشر هذه الثقافة بين الشعب السنغافورى الذى يتكون من أعراق مختلفة من الصينيين والمالاويين والهنود والقوقازيين بالاضافة إلى وجود وافدين من دول مختلفة يبلغ تعدداهم 40% من الذين يعيشون فى سنغافورة من أجل العمل والدراسة  .

كان التفاعل بين ثقافات هذه العرقيات من اخطرالمشاكل التى تواجه سنغافورة ، لكن تقافة العمل والعيش المشترك لبناء بلد حديث متطور نزعت عنها أى اخطار تتعلق بإمكانية نشوب توترات عرقية أوطائفية ، وهو المر الذى تحرص عليه الحكومات التى تعاقبت على سنغافورة من خلال بناء مجتمعات سكنية جديدة يعيش فيها الجميع جنبا إلى جنب ، والتعليم الموحد الذى يتلقاه كل السنغافوريين ، مع سيادة القانون الذى يساوى بين الكل.

التجربة السنغافورية - بكل تناقضاتها-  تستحق الدراسة المتعمقة لنرى كيف حققت ديكتاتورة انيقة هذه المعجزة الاقتصادية المذهلة.