رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لله والوطن

 

ما فعله الرئيس الفرنسى ماكرون خلال زيارته الأولى لمصر.. وربما تكون الأخيرة إذا ما نجح أصحاب السترات الغاضبون فى خلعه.. هو شئ شاذ وغير مسبوق فى الأعراف الدبلوماسية والبروتوكولية المتعارف عليها فى تنظم زيارات الوفود الرسمية المتبادلة بين الدول.. وفى تقديرنا أنه لولا رحابة صدر الدولة المصرية.. وسعة أفق قيادتها.. وأيضا حرصها على المصالح المتبادلة بين البلدين.. لتحول الأمر إلى أزمة سياسية كبيرة.. باعتبار أن ما يفعله الرئيس الفرنسى هو تدخل سافر وغير مقبول فى الشأن الداخلى المصرى وفى أعمال قضائه المستقل.

•• لم نعهد من قبل

أن يعمد رئيس دولة.. مثل ماكرون.. إلى تحويل زيارته دولة أخرى.. خاصة لو كانت دولة بحجم مصر.. إلى «حملة تفتيش» مبنية على معلومات مضللة ومغلوطة من مصادر مشوشة ومشبوهة.. ويصطحب معه وفدا من الإعلاميين وممثلى المجتمع المدنى فى بلاده.. الموالين له ولحزبه بالطبع.. بعد أن جرى تلقينهم بتلك الأسئلة المريبة التى ألقوا بها فى حضور رئيسهم ورئيس مصر خلال المؤتمر الصحفى الذى تابعه الملايين فى العالم كله.. حتى بدا المؤتمر الصحفى وكأنه «مبارزة علنية» بين الرئيسين.. وهو وضع غير مسبوق.. وكذلك ما تحدث به ماكرون نفسه بخصوص ما أسماه «ملف أوضاع حقوق الإنسان فى مصر» الذى بحثه مع الرئيس السيسى.. وأنه عرض عليه «حالات محددة» لمن أسماهم بـ«المدونين» المسجونين.. ولا نعرف حتى الآن من هم وفى أية قضايا تجرى محاكمتهم..؟!.

•• بروتوكوليا

فإن مثل هذه المؤتمرات الصحفية عادة ما يجرى التنسيق لما سيجرى خلالها.. سواء فيما يتعلق بالبيانين الرسميين اللذين يلقى بهما كل من الجانبين.. أو طبيعة الأسئلة التى سوف يلقى بها الصحفيون وكيفية الإجابة عليها؟.. ويعلم تماما الصحفيون الذين يشاركون فى مثل هذه المؤتمرات.. أنه يجرى أحيانا التنبيه عن طريق المكتب الإعلامى إلى عدم إثارة أسئلة حول موضوعات بعينها وفقا لما يتم التنسيق له بين الجانبين.

وعلى ذلك.. كان يمكن تجنب تلك «المبارزة» التى حدثت.. لو جرى الاتفاق مع الرئيس المصرى على بحث ما قدمه من «حالات» مع عدم ادراج هذه المسألة برمتها ضمن البيان الإعلامى الصادر عن المباحثات.. لكن من الواضح أن ماكرون أصر على أن يكون الحوار علنيا.. وهو ما اضطر الجانب المصرى إلى السماح بطرح أسئلة أتاحت للقيادة المصرية توجيه الرد المفحم لكل ما أثاره ماكرون.. وأيضا وضعت الرئيس الفرنسى فى موقف لا يحسد عليه.. وهو يتلعثم ويسوق مبررات غير منطقية وغير مفهومة للأسلوب العنيف الذى واجهت به السلطات الفرنسية مظاهرات «السترات الصفراء» السلمية.. والذى أسفر باعترافه هو عن سقوط 11 قتيلا وآلاف المصابين والمعتقلين.

•• وهنا

نريد التنبيه إلى أن موقف ماكرون هذا لم يكن موجها بالأساس إلى الداخل المصرى أو مقصودا به الإساءة إلى مصر أو محاولة التملص من أى التزامات تجاهها.. كصفقات التسليح مثلا التى يستفيد منها لدعم اقتصاده المنهك.. ولكن نراه موقفا معبرا عن المأزق الذى يعيشه ماكرون أمام شعبه.. حيث يواصل مئات الآلاف من الفرنسيين منذ أكثر من شهرين التظاهر ضد الرئيس.. ويطالبون بسقوطه بعد أن ثبت لهم تخليه عن الدول الاجتماعى للدولة وفرض المزيد من الضرائب على الطبقات الوسطى والفقيرة مقابل تخفيف الأعباء عن الأثرياء.. وهو ما أدى إلى انخفاض مستويات المعيشة لدى قطاع كبير من الفرنسيين.. وهدد نظم التقاعد والحماية الاجتماعية والصحية.

ماكرون يعلم جيدا أن شعبيته لدى الفرنسيين فى تدهور وتآكل مستمرين.. وأن مستقبله السياسى صار مهددا.. فأراد أن يحول انتباه شعبه ويتقمص دور البطل المدافع عن حقوق الإنسان.. فى مصر وليس فى فرنسا..!!

وهذا فى اعتقادنا هو مغزى التعليق الذكى من جانب الرئيس السيسى خلال المؤتمر الصحفى.. الذى لقن به ماكرون درسا فى أن مفهوم حقوق الانسان أعمق مما يسمى بحرية التدوين.. وأنه يتسع ليشمل الحقوق الاجتماعية فى السكن والعلاج والتعليم والعمل وممارسة العبادة وتعزيز قيم المواطنة.. وهو ما توليه الدولة المصرية الاهتمام الأكبر.. وكأنه يقول له: أنظر إلى ما نفعله لشعبنا رغم ظروفنا الصعبة وما تفعله أنت بشعبك الذى يتظاهر مطالبا بسقوطك.. وهو ما أكدته رسالة السيسى أيضا بأنه سيترك موقعه إذا ما دعاه الشعب إلى ذلك.

•• وأخيرا

نتوقف أمام عبارة غريبة أدلى بها ماكرون ردا على السؤال «المقصود» من جانب الزميل خالد ميرى رئيس تحرير «الأخبار» حول سقوط قتلى ومصابين ومعتقلين فى مظاهرات «السترات الصفراء» وكيف ينظر الرئيس الفرنسى إلى ذلك فى إطار «قيم حقوق الانسان».. التى جاء ليتشدق بها أمام الكاميرات فى بلدنا..؟!.

إذ قال ماكرون:"إن 11 مواطنا فرنسيا ماتوا بسبب البلاهة البشرية وليس بسبب الشرطة».. فوصفه لضحايا المواجهة الشرطية العنيفة للمتظاهرين بـ «البلاهة» هذا هو تعبير عجيب وكاشف لشخصيته «الشيزوفرينية» المريضة.. ولازدواجية المعايير فى تقييمه للأمور.. وهو ما كان جليا أيضا فى دعوته للتفريق بين حق التظاهر المشروع وبين أعمال التخريب التى تستوجب العقاب.. بينما كان يجدر به العلم أيضا بالفرق بين «حرية التدوين» وبين السب والقذف والتحريض الذى أيضا يستوجب المحاكمة القانونية والعقاب.. وهو ما ينطبق على «الحالات» المصرية التى يتحدث عنها.

•• عموما.. نرى أن ماكرون ارتكب خطأ كبيرا.. ليس فى حق المصريين فقط.. ولكن فى حق شعبه وفى حق أسر هؤلاء الذين ماتوا برصاص الشرطة ووصفهم بـ «البلهاء».. والذين سيحاسبونه حتما على خطئه الفادح هذا بعد عودته إلى فرنسا.