رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

لم أصنعهم.. إنهم صنيعة الله.. خلقته.. إنهم اختبارنا فى الدنيا، وعلينا أن نصبر ونحتسب، لا تتركنى وحدى أواجه هذا الصعب، وجودك بجانبى سيقوينى، سيجعلنى أكثر احتمالاً وقوة، كلمات رددتها دوماً على أسماعه وهى تحاول أن تحيى فيه الإيمان بالله وبالقضاء والقدر، وتبثه الصبر على ما ابتليا به فى الولد والبنت، الولد مصاب بالتوحد، والبنت بنوع قاسٍ من الصرع والتأخر العقلى، وكلاهما يحتاجان لرعاية خاصة وإلى تفرغ تام، ورغم أن النظام الصحى والاجتماعى فى هولندا يكفل لمثل هؤلاء الأطفال رعاية كبيرة، ويقدم العون للأبوين سواء فى الإطار الطبى أو فى الإرشاد والتوجيه، وأيضاً فى إلحاق هؤلاء الأطفال بمدارس خاصة لتأهيلهم وتعليمهم الاعتماد على أنفسهم فى قضاء أمورهم الخاصة، إلا أن كل هذا لم يشفع لديه ليرعى طفليه، أو يمنحهما أى حب وحنان كأى أب طبيعى، أو حتى يرأف لحالهما وحال أمهما.. زوجته.

عندما كان رجاءها معه يخذلها، كانت تضطر لأن تذكره بأن جينات عائلته السبب وراء مصابهما، فعائلته متوارث بها مثل هذه الأمراض، لكنه أصم أذنيه دونها ودون أى عطف أو رجاء، كلما صرخت البنت بالصرع، صرخ هو أيضاً وملأ البيت غضباً وعنفاً، وكلما أخطأ الولد، صب على البيت كله نيران الغضب، كان يتركها ليالى طويلة ويبيت خارج المنزل لدى أصدقائه، أو فى أى مكان آخر، ما عادت تهتم أين يبيت، المهم أن يعود إليها، ليحمل عنها بعض هذا الهم والعبء، لكنه فى هذا اليوم خرج ولم يعد.

خمسة عشر عاماً مرت على آخر مرة رأته فيها، وكأنه فص ملح وداب فى بحيرات هولندا، سألت عنه فى عمله بالمطعم، فى المزارع التى كان يعمل بها سابقاً، لدى أصدقائه، فى كل مكان، دون جدوى، ترددت أقاويل حول سفره لبلد أوروبى آخر، وقيل أيضا إنه عاد لمصر، أياً كان مكمنه، فإن قلبه الحجر لم يتحرك أبداً ليسأل عن طفليه، ويعرف إلى أى مصير صارا، ولا مصير زوجته المسكينة التى انقطعت عن كل العالم الخارجى وظلت تدور فى فلك الطفلين، مكتفية بالحصول على معونة بدل البطالة من الحكومة، وكلما كبر الطفلان، كبر همهما ومشاكلهما واحتياجاتهما، وقلبها الممزق ألماً لا يطاوعها أن تلقى بهما فى أى دار لرعاية مثل تلك الحالات وتتفرغ لحياتها كما فعل أبوهما.

وبعد ثلاثة أعوام من اختفائه، أرسل لها من يخطرها بطلاقها منه، لم يحرك فيها الخبر ساكناً، مطلقة أو لا تزال على ذمته، لا يغير هذا فى الأمر شيئاً، وجوده فى حياتها وحياة طفليها كعدمه، فأى رجل هذا وأى أب، لقد دفعه اعتراضه على حكم الله وبلائه إلى التخلى عن كل مسئولياته الطبيعية تجاه أولاده، وعلمت أنه تزوج من أخرى، واشترط على تلك الأخرى عدم الإنجاب خشية أن يبتلى بمزيد من الأبناء المرضى، قد يكون قد هرب من كل مسئولية له فى الدنيا، لكنه كيف سيهرب من حساب الله له لتخليه عن رعيته؟.

بطلة قصتنا الواقعية لم تجد أحداً يساعدها فى مصر للحصول على حقها من زوجها المختفى، لا نفقة، ولا طلاق، ولا أى شىء، وظلت معلقة فى علم الغيب، حتى حن عليها بورقة الطلاق، وحرمها أيضاً من أى حقوق لها ولولديه، كلما لجأت لمحامى فى مصر أخبرها بضرورة وجود ما يثبت وجود دخل له أو أموال وممتلكات، وفى هولندا، لم تتمكن أيضاً من التوصل إلى ممتلكاته، فخسرت حقوقها فى النفقة كما سبق وخسرت حقوقها معه كزوجة، وتكفلت هى بالإنفاق على الطفلين، ولا تزال تتكفل بهما وبرعايتهما وحدها، مع كل صرخة من ابنتها ترفع رأسها للسماء وتهتف «حسبى الله ونعم الوكيل فيه»، و.. للحديث بقية

[email protected]