رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

أنا مدمن للكتب، وهو أمر ربما لا يوجد علاج له، بغض النظر عن تأثير ذلك على اتساع ثقافة المرء من عدمها، ولذلك فإننى أنتظر بفارغ الصبر بين العام والآخر كل دورة جديدة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، رغم يقينى بأن حصادى منه لن يكون الكثير باعتبار أن أغلب ما يصدر على مدار العام ويقع فى دائرة اهتماماتى ما بين الدورة والدورة يكون فى حوزتى وأحرص على اقتنائه أولا بأول سواء من دور النشر المصرية أو العربية أو حتى من خلال النسخ الإلكترونية. رغم كل ذلك فإن المعرض بالنسبة  لى له طعم آخر، ولذلك أسارع بزيارته بدءا من يومه الاول لا لشيء ربما سوى للتجول بين أجنحة المعرض والمتابعة عن قرب للمزيد من الكتب والعيش بين رحيقها، والمشاركة فى مجاملة بعض الأصدقاء حفلات توقيع كتبهم التى تحولت لتقليد تم ابتذاله من قبل مؤلفين يصل بهم الأمر للبحث عن أشخاص للتصوير معهم خلال توقيع وهمى لإضفاء الاهمية على ذواتهم!!

كان من بين التحديات التى فرضت نفسها هذا العام انتقال المعرض إلى مقره الجديد بما يفرض أعباء أكبر فى الزيارة على خلاف مقره السابق حيث لم يكن الأمر فى أفضل الأحوال يقتضى سوى قرار أن تستقل المترو دون كثير مشقة للتوجه إلى أرض المعارض بطريق صلاح سالم. غير أن الزيارة الاولى للمعرض فى دورته الجديدة  فى أول أيامه كشفت لى أن هذا التخوف ليس سوى حالة من الوهم وقعت فيه ووقع فيه الكثيرون. فرغم أننى حرصت على التوجه مبكرا إلى المعرض إلا أنه هالنى حجم ذلك الإقبال الكبير من الجمهور سواء بالمواصلات العامة أو السيارات الخاصة، وربما يقتضى الأمر هنا الإشادة بما يمكن اعتباره نجاحا فى تجاوز مشكلة بعد المكان من خلال توفير حافلات عامة متنوعة وهو ما يسر مهمة الجمهور فى التوجه للمعرض، وإن كان الامر لا يمكن أن يصل بأى حال إلى درجة الكمال، وهو أمر ربما يبدو طبيعيا باعتبار ان هذه أول دورة قد تستفيد هيئة الكتاب من دروسها وتسعى لتطوير إيجابياتها وتجنب سلبياتها فى الدورات القادمة.

حينما سرحت بخيالى فى الدورات التى شهدتها للمعرض زمان بدار الأوبرا فى قلب القاهرة قلت بينى وبين نفسى إن هذا هو منطق العمران، وأنه ربما كان قرار انتقال المعرض لمقره الجديد وفى هذه الدورة تحديدا – اليوبيل الذهبى -  من أصوب القرارات. صحيح أن الأمر لا يخلو من بعض المنغصات إلا أن الصورة فى المجمل تبدو مقبولة مع بعض التحفظات.. حيث يبدو للزائر أن القائمين على المعرض لم يرد بخيالهم أن كل هذا العدد سيقبل على الزيارة فلم يضعوا فى اعتبارهم فكرة وجود أماكن انتظار كافية للسيارات فراح الناس يتركون سياراتهم فى صحراء السير فى طريقها هو أقرب إلى سباقات السفاري!!

أما طوابير الانتظار فحدث ولا حرج حيث يصل كل طابور على كل باب من أبواب الدخول الرئيسية للمعرض لأكثر من عشرة أمتار، وتزداد المعاناة مع امتداد طوابير الانتظار حتى للدخول لقاعات العرض، صحيح أن ذلك لأغراض أمنية، إلا أن الأمر فى تصورى ربما كان من الممكن إخراجه بشكل أفضل. وأما إذا كنت ذاهبا إلى المعرض لدار معينة فتأكد أنك ستواجه معاناة كبيرة فى الوصول إلى ما تريد، فلا خريطة ورقية بالأجنحة ولا فريق الاستعلامات من المتطوعين لديه الإلمام الكافى بمقار الدور المختلفة المشاركة.

رغم كل ذلك فإن ما يذهلك هو ذلك الإقبال الجماهيرى منقطع النظير، بكل معنى الكلمة، على زيارة المعرض، حتى أنه قد لا يكون للامر من تفسير سوى أن المعرض أصبح بحق يمثل «حالة ثقافية فريدة» لدى قطاع كبير من المصريين بغض النظر عن ظروف أو مكان تنظيمه. وهو شيء مبهج للوهلة الأولى ويبشر بحالة صحية حتى لو كان من الصحيح ما يذكره الكثيرون عن حق من ضعف حركة البيع وأن ذلك العدد لا ينعكس فى عمليات شراء حقيقية، وأن البعض لا يذهب سوى لمجرد الفسحة والتنزه واصطحاب أبنائه لمكان مختلف.

فى تقديرى أن ذلك كله لا يقلل من القيمة التى يقدمها المعرض على صعيد تعزيز أجواء الاهتمام بالثقافة والكتاب فى مصر، ولعل جدول البرنامج الثقافى الذى ضمه كتيب يتجاوز المائتى صفحة ويتضمن لقاءات فكرية وحوارية متنوعة يعزز ذلك التصور. معايشة أجواء تلك الفعاليات تجعلك تشعر بأنك فى عرس ثقافى حقيقي. وإن كان الأمر يقتضى الإشارة إلى بعض الأخطاء والهفوات تنتاب تلك الأنشطة، مثل عدم الترتيب الجيد مع الضيوف والاعتذارات من قبل العديد منهم، واختيار شخصيات قد لا تكون مناسبة لتناول القضية محل النقاش، بشكل قد لا يجعل البعض يأخذها بالجدية المطلوبة، إلا أن متابعة تلك الأنشطة من واقع قاعاتها تؤكد لك أن المعرض اكبر تجمع لأنشطة المثقفين فى مصر.

وربما يفسر تلك الحالة التى يمثلها المعرض ما ذكره لى أحد كبار الناشرين العرب فى أواخر أيام الدورة الماضية خلال حديث معه بشأن حصاد المعرض على الصعيد الاقتصادى  حين راح يؤكد أنه لم يكن جيدا وبالكاد تجاوز التكاليف، وعندما سألته ولم المشاركة إذن؟ فكانت إجابته حاسمة : من الصعب التغيب عن معرض القاهرة بالذات مهما كانت النتائج!! فهنيئا لمصر والمصريين بذلك العرس الذى ربما يمثل وردة وسط اكوام من القمامة!!

[email protected]