رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

 

لا شك أن الصدق من أهم الفضائل الأخلاقية ان لم يكن أهمها على الإطلاق، وقد كان كذلك منذ بزوغ الحضارة البشرية وكان المصريون القدماء - وهم من أسسوا أول حضارة إنسانية متقدمة- يتغنون به لدرجة أن قال الحكيم المصرى القديم عنه مفاخرا بصدقه وأمانته «ذلك ما أورثنى إياه أبى»، وقد قيل فى التراث العربى الإسلامى «الصدق منجاة والكذب مهواة» تصديقا وتأكيدا لما ورد فى القرآن الكريم عن ضرورة وأهمية اتصاف المؤمن بالصدق إذ لا يمكن أن تصح الحياة الاجتماعية للبشر دون أن يسود الصدق والأمانة بينهم، فدونهما لا يمكن أن تتم المعاملات التجارية والمالية والاقتصادية فضلا عن أن الصدق هو أساس الصداقة والعلاقات الطيبة وزيادة الثقة بين أفراد المجتمع. وعلى هذه القيمة العظيمة يتم التعاون وتتضافر جهود البشر فى أى مجتمع لتحقيق التقدم والرخاء للجميع. ولعلنا نتذكر كيف أن التجار من المسلمين الأوائل قد نشروا الإسلام فى أرجاء العالم عبر كونهم كانوا قدوة فى صدق القول وأمانة الفعل.

وبالطبع فإن الصدق فى القول لا بد أن يرتبط بالجدية والإتقان فى العمل حتى يتحول المجتمع إلى مجتمع منتج ومبدع فى انتاجه سواء كان زراعيا أو صناعيا أو فنيا وقد تسلح بناة التقدم الحضارى ورواده فى كل العصور بهذين الصفتين الصدق فى الأقوال والجدية والاتقان فى الأعمال. وقد عبر القرآن عن ذلك فى آية غاية الروعة «ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا»، فربطت الآية الكريمة حسن القول بالدعوة إلى الايمان بالله واتقان العمل. وقد سادت فى العالم الدعوة هذه الأيام إلى ما يسمى بالاعتماد والجودة فى النظم التعليمية والاقتصادية والطبية بل فى كل مجالات الحياة وتأسست منظمات وهيئات لمراقبة الجودة، وصدرت معايير لقياس جودة الأداء واستمراريته حتى ينعم البشر بجودة الحياة ويستمتعوا بكل شىء بشكل جيد ومتقن فى مختلف مناحى حياتهم. وقد أكدت كل ذلك حينما قلت فى كتابى «فلسفة الثقافة» إنه بإمكان أى مجتمع أن ينتقل من ثقافة التخلف والجمود إلى ثقافة الحداثة والتقدم إذا ما نجح أفراده والقائمون على نظم الثقافة والتعليم فيه فى التحول من قيم التخلف التى تتمثل فى نظم تعليمية جامدة تقوم على الحفظ والتلقين والاجترار وثقافة يسودها مظاهر عديدة منها سيادة الكذب والنفاق والفهلوة والشللية والجهل بأهمية إتقان العمل والإبداع فيه، إلى قيم التقدم التى تتمثل فى تعليم يحض على استقلالية الفرد ويدربه على الإبداع والابتكار وثقافة تغرس فى الإنسان منذ طفولته قيم الصدق والصراحة وحرية القول والتعبير وتشعره بأهمية رأيه وإبداعاته المستقلة وأفعاله الواعية فى تنمية نفسه ومجتمعه. إن الحياة الإنسانية تقوم على إعمال العقل والتفكير المبدع، ويتقدم البشر حينما يجدون مناخاً صحياً يحافظ على حرياتهم ويصون كرامتهم ويرعى إبداعاتهم ويزيل عنهم مغبة الفشل أو الوقوع فى الخطأ، فالفشل ليس إلا خطوة فى طريق اكتشاف الفرد لموهبته الحقيقية وطريقه المستقبلى المستقل للنجاح فى الحياة، والخطأ ليس إلا مجرد بداية لحياة جديدة يسودها الفهم الواعى والتخطيط السليم، ومن ثم الحذر وعدم التسرع فى اتحاذ القرارات والأفعال. إن عواطف الإنسان وانفعالاته إذا ما كانت ناتجة عن تفكير مبدع أو حتى عن ردود فعل واعية فهى بلا شك ستقوده إلى الصدق فى القول والاتقان فى العمل.

ولعلنا فى ضوء ما تقدم نستطيع بإرادتنا الواعية وتصميمنا على تغيير نمط تفكيرنا وطرائقنا السلوكية من نمط الجمود والتخلف إلى نمط ثقافة الحداثة والتقدم بناء مجتمعنا الحداثى المستقل، فليس بيننا وبين الحداثة وصنع التقدم إلا التحلى بأخلاقيات قيم الحداثة والتقدم وهى ليست عنا ببعيد؛ فقد صنعنا بها تقدمنا الحضارى من قبل سواء فى العصور القديمة أيام حضارة مصر وبابل وأشور وفينقيا القديمة أو فى العصر الزاهى للحضارة العربية الإسلامية.

[email protected] com