رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثورة 25 يناير 2011  لم تنطلق من فراغ ولكن دفعت إليها أوضاع وتراكمات لنظام حكم فقد الكثير من أسباب استمراره.. مشكلة أى نظام سياسى أن تتخلف تقاليد حكمه عن جملة المتغيرات التى تحدث من حوله فى البلد والإقليم والعالم.. تغيرت خلال ثلاثة عقود من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك أوضاع كثيرة فى مصر والعالم.. فى مصر تآكلت الطبقة الوسطى وسقط منها شريحة كبيرة لتستقر فى قاع الأزمات.. تآكلت الأرض الزراعية وزحف العمران عليها سواء العشوائى الفقير أو الانتهازى الغنى، ووقف النظام خلال ثلاثة عقود مشلولاً أمام ثروات مصر التى زحفت عليها ضرورات الفقر وقوى النهب فى آن واحد .. تضاعف عدد سكان مصر تقريباً ما بين 48.2 مليون عام 1980 و80.5 مليون عام 2011 وأمام حالة الإسهال السكانى لم يستطع النظام الأسبق لا كبح جماحها ولا تحويلها إلى طاقة جبارة للتطور والإنتاج كما حدث فى الكثير من دول كانت أوضاعها أكثر سوءاً من مصر. إقليمياً ودولياً كانت الحرب العراقية الإيرانية، والحرب الأهلية فى لبنان، وغزو العراق للكويت ثم تحرير الكويت، والاحتلال الأمريكى للعراق فيما بعد، وانهيار سور برلين، والتداعى التاريخى للاتحاد السوفيتى، واكتمال عقد الاتحاد الأوروبى، وثورة الاتصالات الرهيبة، وحصول مصريين على جائزة نوبل -  العظيم نجيب محفوظ فى الأدب والعالم المرموق أحمد زويل فى الكيمياء.. المهم أنه أمام كل عواصف التغيير بقيت تقاليد الحكم فى الحقبة المباركية كما هى، وكأن ما يحدث فى مصر والعالم فيلم خيال علمى، وكأننا نسكن فى أمان على شاطئ محيط وباقى العالم على الشاطئ الآخر.. تعاقبت فترات حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك بشكل مملوكى بلا ملكية معلنة .. فهنا كان السلطان ومن حوله الحاشية وعلى موائدهم كبار التجار والسماسرة  والحراس.. أما الشارع العام فترك لأهله يتكاثرون مللاً ، ويضحكون سخرية، ويهربون للدين شكلاً، ويتطرفون جهلاً ويأساً، ويهجرون الأوطان حتى لو كان المصير جنوح سفينة النجاة واستقرارهم فى قاع بحر بلا قرار . بعد ثمانى سنوات من ثورة يناير 2011 استطاعت القوى المناوئة للتغيير فى الداخل والخارج أن تحول المقاصد النبيلة للثورة من عيش وحرية وعدالة الى حديث خوارج لا يبتغون إلا الفوضى وإسقاط الدولة .. تقاليد الحكم فى الحقبة المباركية ليست منفصلة عما قبلها وما بعدها، والأمر قديم قدم الفتنة الكبرى.. لقد وقف خلفاء بنى أمية موقفاً غاية فى العنف من أولئك المفكرين الأوائل الذين قالوا بحرية الإرادة الإنسانية وبمسئولية الإنسان عن فعله. الخليفة عبدالملك بن مروان لم يتورع عن قتل معبد الجهنى (80 هجرية) ولم يتورع خالد بن عبدالله القسرى أن يذبح الجعد بن درهم (120 هجرية) أسفل المنبر بعد صلاة العيد. أما غيلان الدمشقى 99 هجرية فقد قتله هشام بن عبد الملك أيضاً .. وفى مؤلفه القيم «التفسير العقلى للقرآن – يقول الدكتور نصر حامد أبوزيد» نقطة البداية كانت فى الخلاف حول الإمامة وشروطها ومدى السلطة المحولة للخليفة، وقد أثار قتل عثمان على أيدى الثوار من الأمصار، وعلى رأسهم ثوار مصر قضية شرعية الخروج على الإمام والثورة على الخليفة.. ومن يتأمل ظروف الفتنة التى صاحبت مقتل عثمان واستمرت من بعده سيجد أن ملامحها بدأت حين أباح عثمان لأعلام قريش أن يتملكوا الضياع ويشيدوا القصور فى الولايات الاسلامية المفتوحة كالعراق والشام ومصر، كما سمح لهم أن يستبدلوا بأملاكهم فى الحجاز أملاكاً فى تلك الأمصار،  وكان من الطبيعى أن تثير هذه السياسة المتساهلة، الى جانب مجاملة عثمان لأقاربه وتساهله معهم غضب أتقياء الصحابة مثل عمار بن ياسر وأبى ذر الغفارى اللذين لم يخفيا غضبهما. المتأمل لمسببات الثورات تاريخياً سيجد جذرها واحد .. أعلام قريش المقربون للخليفة هم طبقة الساسة ورجال الأعمال الذين وسموا الحقبة المباركية .. الافتقار للعدل بعد سنوات قليلة من البعثة النبوية التى بشرت بالحرية والكرامة الانسانية يقابله فى زماننا  اتساع رقعة الفقراء من العوام أمام سيطرة الصفوة بعد ثلاثة عقود من ثورة 52 التى انحازت زعامتها ورجلها للفقراء والعدل الاجتماعى.. وأخيراً.. لمن يكرهون حديث الثورات، الصين تطورت وقفزت عندما تغيرت تقاليد الحكم وبدون ثورة فى الشارع.. الثورة كانت فى العقول وانعكست موجاتها على الواقع.. الهند تقدمت وقويت  بتطور تقاليد الحكم  وليس بثورة مكروهة سلفاً من لصوص الشعوب.. مصر بالإمكان أن تتقدم وتتطور بدون يناير جديد – يكفى أن تكون هناك جدية وأمانة لتغيير تقاليد الحكم الممتدة من قرون مضت وليس التشبث بثقافة القرون الوسطى وأساطير الأولين.