عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

مع الذكرى الواحد بعد المائة لمولد الزعيم التاريخي جمال عبد الناصر (15 يناير 1918 – 15 يناير 2019) ومع نصف قرن الا قليلا على رحيله (28 سبتمبر 1970) يظل هذا القائد الاستثنائي محافظًا على مكانه ومكانته على مدار التاريخ.. ويظل عبد الناصر بقدر تأثيره محل تقدير الملايين وأيضا سخط الملايين – وتلك سمة الكبار من الزعماء الذين ينقسم الناس أمامهم بين مخلص لزمنه ورافض لفكره.. في كل الأحوال يبقى جمال عبد الناصر يمثل أهم فصول التاريخ المصري باعتباره أول مصري يحكم بلدا بعمر الدنيا والتاريخ الإنساني – مع خالص الاحترام والتقدير للواء محمد نجيب ودوره – إلا أننا نكتب عن واقع فرض نفسه وليس واقعًا كان يجب أن يفرض وجوده.. المؤمنون بتجربة جمال عبد الناصر هذا حقهم وتلك حريتهم في الانحياز، ولكن بعد نصف قرن من رحيل الرجل يجب أن نتأمله دون تأليه ونفهمه دون تعصب ونقدره بعقل واعٍ وليس بعاطفة ساحقة.. أنا من الذين يحترمون فكر جمال عبد الناصر، ومن المعتقدين بأن مصدر قوة هذا الرجل وبقائه حيا في الضمير المصري أنه انحاز من اليوم الأول لتحمله المسئولية وزيرا ورئيسا للوزراء ثم رئيسا للانسان المصري البسيط والفقير.. عبد الناصر قرأ التاريخ المصرى جيدا وأدرك كما يدرك كل من زار التاريخ بعقل مفتوح أن المصريين عبر آلاف السنين لم يكونوا يوما محل اهتمام حاكم – والحاكم ظل أجنبيا –إلا بقدر ما يستطيع أن يأخذ من قوتهم وكرامتهم ووجودهم.. رومانسية جمال عبد الناصر كانت سر توهجه كزعيم أطل على مصر والدنيا منتصف القرن الماضي حالما بالحرية والكرامة والعدالة وداعيا كل المقهورين والمستضعفين للثورة على عذاباتهم والمتسبب بها.. الحلم الكبير ينكسر ولكنه لا يموت أو يندثر.. هزم عبد الناصر عام 1967 وانكسر حلمه ثم رحل عن الدنيا حاملا بقايا حلمه وشظايا انكساره إلى عالم آخر.. عظمة أي زعيم تاريخي تظل في توهج قيمة ونقاء حلمه وقدرة كل ذلك على الانتشار والتأثير من بعده.. مصر الآن بالتأكيد ليست هي مصر جمال عبد الناصر لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا ثقافيا – وليس مطلوبًا أن تظل مصر بعد عبد الناصر نسخة من مصر زمن عبد الناصر لأن التفكير بهذا المنطق هو الموت بعينه والجمود الذي يصيب أي أمة بالموت الإكلينيكي وهى في مكانها.. لو بعث عبد الناصر اليوم لتغير الكثير من أفكاره ورؤاه وسياساته ولكن ما أتصوره أن هناك فارقًا كبيرًا بين تبدل الأفكار وتبدل القيم.. تغير الأفكار حتمية يفرضها أي واقع جديد ولكن تبدل القيم خيانة متأصلة داخل من يرتكب هذا الفعل مهما كانت التحديات.. عبقرية جمال عبد الناصر تكمن في القيم وليس الأفكار، وهذا ما ترثه الشعوب من الزعماء الكبار بعد رحيلهم .. أتصور أننا بحاجة اليوم لأن نقرأ التاريخ ليس من منطلق الانحيازات والتحزبات وإنما نقرأه لاستلهام القيم العظيمة التي لا تموت بموت أصحابها.. هزم عبد الناصر في 67 ولكنه سيبقى رمزا لقيمة الحرية والاستقلال الوطني.. حرم المصريون من أي لون من ألوان الديمقراطية في عصر عبد الناصر – ولكن الرجل سيبقى رمزا للإرادة الوطنية المخلصة التي تصورت في زمانها أن العدل الاجتماعي أهم من الحريات السياسية والممارسة الحقة للديمقراطية.. ومن معسكر المخلصين لتجربة جمال عبد الناصر أقول إن الرجل لم يكن على صواب كامل في هذا الاتجاه لأنه - ودون قصد منه - ترك لمن توارثوا مقعده مجالا كبيرا للعبث بالتاريخ والاستهانة بالجغرافيا..