رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حفنة كلام

 

 

< مملكة="" الإنشاد="">

تمتلك مصر أصوات مُنشدين كبار كالشيخ أحمد التونى الذى يحلّق فى صفاء روحى نادر يشدّ المتلقى إلى عالم هادئ  لا يشعر به إلا المحبّون؛ ومنهم الشيخ أحمد برين وهو ينشد:

تَمَلّكْتُمُ رُوحى وعقلى ومَسْمَعى...وكبدى وأحشائى وكُلّى بأجْمَعي

وَتَيَّهتُمونى فى بديعِ جمالكمْ...فَلَمْ أدْرِ فى بحْرِ الهوى أَينَ موضِعي؟

ولقد كان الشيخ ابراهيم البَخ يقود الحضرة إنشادا مدهشا، والشيخ عبدالحى والشيخ رفاعى ، ويأتى سلطان المنشدين الشيخ يس التّهامى الذى نشر اللغة الفصحى فى أرجاء الوطن العربى، ودائما أقول إن أم كلثوم والشيخ يس التهامى هما من أَوْصل الفصحى لعامة الناس ، وصار الجميع يردّد مع أم كلثوم «أعطنى حرّيّتى أَطْلق يديّا/ إنّنى أعطَيْت ما استبقيْت شيّا»

نقلَ الشيخ يس التهامى قصائد ابن عربى والسهروردى والحلاج والشيرازى والبُرعى إلى الناس فتلقّفوها بكل مستوياتهم الثقافية والتعليمية فانتشرت الفصحى بين الناس، وعلى نهجه يسير ابنه محمود التهامى.

وكم كان للكتاتيب المنتشرة فى القرى آنذاك دور كبير فى تفصيح ألسنة الناس التى تحفظ الآيات ؛وتردد الأدعية الفصيحة مما أسهم فى رفع ذائقة الجمهور اللغوية.

لقد حفظتُ ديوانَ ابن الفارض ومعظم قصائد الحلاج وابن عربى وعبدالرحيم البرعى _ عندما كنتُ طفلا _ من إنشاد الشيخ أبو بكر أحمد عطية ابن نجع العطياتب القُرنة صاحب أرقّ الأصوات تأثيرا، وكم كان يدهشنى بآلاف الأبيات التى يحفظها ويستشهد بها، ويكون فى حال الإنشاد فى وّجْدٍ ظاهر وغياب حضور أشد من الحضور وجودا؛ ومازلت أراه رحمه الله مُغمضا عينيْه حال إنشاده:

سَقَوْنى وقالوا: متْ غراما بحبّنا/ إذا شئتَ أن تحيا وتحظى بقُرْبِنا

فموْتُ الفتى بالحبّ راحةُ قلبهِ/ إذا مات من حرِّ الصبابةِ والعَنا

فكمْ مِن فتًى أضحى وكَمْ من متيــمٍ/ وكمْ من قتيـلٍ فى الغرامِ بِحُبّنا

فمشروبُنا يحيا به كلُّ ميّتٍ/ ورضاؤُنا يشفى العليلَ من الضنى

فيالائمى فى الحب دعنى فإنني/جعلتُ لِمن أهواهُ قلبى مَسكنا

وقرّبنى لمّا وقفتُ ببـــابهِ/وقال: لك البُشرى تَمَلّ بقُرْبنا

والشيخ العزَب أبوخليفة والشيخ عبدالعظيم  أحمد محمد اللذان لم أعاصرهما، بيد أن ما يُحكى عن صوتيهما يجعلنا نتحسر عمّا ضاع من عدم تسجيل جمال صوْتيْهما، والمرحوم الشيخ الطيب الطاهر حسان صاحب أقوى حنجرة سمعتها وأرق مخارج ألفاظ وأدق الألسنة نحوا وفصاحة، وكان رحمه الله صاحب مدرسة خاصة فى الإنشاد والجمال وأثّر كثيرا فى الأجيال اللاحقة ، وابن أخته الشيخ سيد عبدالعال والشيخ عبدالحافظ ابن الرياينة وابنه الشيخ قناوى والمقرئ الشيخ طايع ابن الحدادين والشيخ امبارك إسماعيل من كوم المؤمنين وكان صاحب أعذب صوت مؤثّرٍ سمعتُه، والشيخ أمين الحادى، وجاء بعدهم الشيخ عمر ومحيى وأبوبكر أبناء الشيخ امبارك اسماعيل وهم من أرقّ الأصوات وأعذبها أيضا، وكذلك صوت الأستاذ يوسف الطويل؛ والشيخ أحمد الراوى وجيل جديد تتَلمذَ سماعًا على أصوات المُنشدين الكبار الذين عرفوا أصول الإنشاد فلا يُنشدون إلا فى صفاء النفس وتخليصها من الأرق وتكاليف الحياة ليتخلصوا من ذنوبهم بالاستغفار، ومن أعباء حياتهم بالتحليق فى عالم التخييل وملكوت الروح، قد تتفق معهم أو تختلف هذا حقك، لكنّ الناس فى حاجة إلى ساعة صفاء ،"رَوّحوا القلوبَ ساعة ، فإنّ القلوب إذا َكَلّتْ عَمِيَتْ"؛ وقد ذَكّرَنى الشيخ جاد أبوغاى فى مديحه الصادق الصافى بأشعاره الملْهمة أن القوم ينشدون:

«قُلْ لذى المُعْرضِ عَنّا/

إنّ إعْراضَك مِنّا/

لَوْ أرَدْناكَ لأضْحى/

كلُّ ما فيكَ «يُرِدْنا»

ومن الجيل الجديد الشيخ محمود سلامة وعماد الحادى وغيرهم بالدلتا ومطروح وسيناء والصعيد، هؤلاء الذين ينتشرون فى بقاع مصر فى حاجة إلى دراسات علمية جادة، وأرشيف يجمع تراثهم فقد رحَل عددٌ كبيرٌ منهم قبل أن نُسجّل كنوز تراثهم الشفهى، نحن فى حاجة إلى فريق عمل يجمع ما تبقَّى، وليس من المنهج العلمى التعالى على هؤلاء وعدم الاعتراف بهم وبسماحتهم وعِرفانيتهم وجوّانيتهم التى حوت قلبا صار قابلًا كُلّ صورة، ونحن أحوج فى هذا العصر إلى هذا القلب.
 

[email protected]