رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاوي

مازلت فى رحاب الكاتب الكبير عباس حافظ أنقل عنه حديثه عن زعيم الفقراء مصطفى النحاس. واليوم أروى على لسان «حافظ» بداية الزعامة عند النحاس، يقول:

وكان مصطفى النحاس عن الديار غائباً يوم وفاة سعد، فبوغت بالنبأ العظيم وهو فى أوروبا أفجع المباغتة، ونزل منه الخبر الصاعق أرهب منزل، لأن المرض الذى أصاب سعداً لم يطُل عليه، والعلة التى عاجلته لم تستبق لها بوادر وسمات، غير كلام سعد نفسه فى ختام الدورة البرلمانية التى سبقت مرضه، فقد كان من خلف ألفاظه، أو فى تضاعف  كلماته،  إيذان ببين، إحساس سابق بوداع، وكلمة نوى بعيدة وفراق، حتى لقد عاد الناس حين وفاته يذكرونها، ويعجبون كيف لم يلتقطوا هذا المعنى الخفى فيها، وراحوا لتعزية  أنفسهم يدعونها «خطبة الوداع» وهى فى الواقع خطبة  النبوءة، وإلهام الروح، وسبق الشعور، واختلاج الغيب فى الوجدان.

لقد ذهب سعد عقب انفضاض الدورة إلى «بساتين بركات»، انتجاعاً للراحة، والتماس أيام صفاء مع خواصه والمحبين إليه، وكان ذلك فى 15 أغسطس من ذلك العام ، فلم يكد ينفرط أسبوع حتى كان سعد فى الذاهبين.

وكان مصطفى النحاس بحاجة يومئذ إلى الراحة فسافر إلى أوروبا مطمئناً على صاحبه العزيز الذى ظل السنين الطوال قريباً منه، وموضع ثقته، ومحل رضاه واعتزازه، وما درى يومئذ أنه سوف يُرَوَّع وهو غائب بمنعاه، ويفاجأ بأن سعداً قد فارق الحياة.

ولعل كلمة الأقدار فى ترتيب الحوادث على هذا السياق الأليم، أن يقر الناس مصطفى النحاس على خلافة سعد، وتجتمع نفوسهم على أنه بالزعامة من بعده الخليق الأوحد، وكم  كان الأمر من شأن سعد ذاته، فقد نودى بزعامته وهو غائب فى منفاه وغربته، وتوافت له شهادة الأمة ببطولته قبل أن يسألها، أو ينبعث الى طلبها، أو يحتال بنفسه لها ـ كان أمر مصطفى كذلك بغير خلاف، فقد التفتت الأذهان إليه وهو فى سفره وتذكرته النفوس فى منزحه، وأقرته القلوب فى غيبته، فلم تكد قدمه تطأ أرض وطنه، حتى تلقاه الناس  مطمئنين إليه،  معترفين بجدارته لذلك الموضع العظيم.

لقد كانت بيعة هذا القائد الوطنى الجديد «طبيعية» لم يَشُبْها أدنى تكلف ولم تجر من حولها أقل محاولة، وإنما اختارت العناية الإلهية فأمَّن الناس على اختيارها، وتقدمت الأقدار فانتخبت من أعدَّته لهذا اليوم وهيأته، فأقرَّت مصر هذا الانتخاب الطبيعى، مستريحة إليه مطمئنة، واعتمدته اعتماد الثقة واليقين.

ونحن لا ينبغى لنا أن ننسى أن مطالع زعامة سعد كانت على شَرَف من الثورة، وكانت الثورة قد نضجت، فجاء هو فأخرجها من الأتون مستعرة متلظية، ولكن مطالع  زعامة مصطفى بدت فى أخطر أدوار السياسة، وأرهب حلقاتها واشتداد تدافعها وتجاذبها، وحَرِّ تطاحنها وضَرَاوة حزبيتها، وكانت مقدمة ظهور سعد حيال خصم واحد، وهو الإنجليز، بينما هو وسط وَحْدة تامة. وأمة متراصة، وشعب مجتمع، وكتلة واحدة، بينما راحت مقدمة ظهور مصطفى على الزعامة وربوتها، وفى القيادة العامة وذروتها، حيال خصوم متكاثرين وأعداء هم ألْبٌ واحد عليه، كما كان مُطَالَباً من البداية فى امتحان خطير من امتحانات الكفاية، وابتلاء من ابتلاءات المواهب، ليدلل على أنه الخليق بالرياسة التى جاءت تسعى إليه، الحرىّ بالزعامة التى تقدمت نحوه طائعة.

[email protected]