رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

 

 

إن تقدم الإنسان فى أى عصر يعتمد على نمط التفكير السائد، وحينما تجد أن التفكير العلمى هو السائد بين أى شعب من الشعوب وأى أمة من الأمم فتأكد أنهم يحققون التقدم تلو التقدم وأنهم هم قادة الدورة الحضارية التى يعيشون فيها، لقد حدث هذا عبر تاريخ البشرية فحينما نجح المصريون القدماء فى الانتقال من عصر التفكير الخرافى والأسطورى وبدأوا يواجهون الظواهر الطبيعية من حولهم بالتفكير العلمى استطاعوا تفسير الكثير منها والسيطرة عليها وتسخيرها لخدمتهم وبلغوا من الثقة فى أنفسهم وفى قدراتهم العلمية حد محاولة السيطرة على ظاهرة الموت باختراع علم التحنيط وبناء الأهرامات وتفوقوا تفوقاً مذهلاً فى كل العلوم وبناء كل المظاهر الحضارية المعمارية والفنية التى لاتزال موضع اعجاب وذهول البشر حتى الآن، وحينما تلقف اليونانيون ناتج الحضارة المصرية القديمة وغيرها من حضارات الشرق وتحولوا من التفكير الأسطورى إلى التفكير العقلى النظرى ابتدعوا الفلسفات والعلوم التى لا يزال تأثيرها قائماً حتى الآن، وحينما اتسعت مدارك العرب والمسلمون بالفهم الصحيح لدينهم الذى حضهم على إعمال العقل والنظر فى ملكوت السماوات والأرض ترجموا فلسفة وعلوم اليونان وطوروها وأسسوا المناهج والعلوم الجديدة التى كانت سبباً مباشراً للنهضة العلمية التى حققها الغربيون منذ القرن السادس عشر حتى الآن.

وهكذا كان التفكير العلمى هو المحرك الأساسى للنهوض والتطور وأساس الانتقال من عصر إلى عصر جديد وعادة ماكان هذا التقدم هو الذى يصنع الفارق بين أمة وأخرى، وبين حضارة وأخرى، فكلما كان التفكير العلمى متقداً ومتواصلاً لدى أبناء هذه الحضارة أو تلك كلما ظلت ريادتها وسيطرتها على دورتها الحضارية، وحينما كان يخبو هذا التوهج العلمى ويعجز العلماء والمفكرون عن الإبداع ومواصلة الاكتشافات العلمية وارتياد المجهول يكون هذا إيذانا بانتهاء الدورة الحضارية ليتلقفها من ينجح فى إبداع الفكر العلمى  الجديد.. وهكذا...

ولعل السائل يسأل هنا: وماذا يعنى التفكير العلمى.. وكيف يصنع به المتقدمون تقدمهم والحداثيون حداثتهم؟!

إن التفكير العلمى يبدأ حقيقة من إدراكنا الواعى أننا بحواسنا وعقولنا قادرون على فهم أنفسنا وكل ما حولنا من ظواهر طبيعية واكتشاف الجديد دائما.

والنمط العلمى من التفكير يبدأ من تنظيم أفكارنا بطريقة منطقية واستخدام لغة أداتية معبرة عن الواقع واستبعاد لغة العواطف والانفعالات التى عادة ما تغرقنا فى أنماط أخرى من التفكير وتبعدنا عن المعالجة العلمية للمشكلات.

وكم كان أرسطو مبدعاً حينما كشف لنا فى مؤلفاته المنطقية ضرورة التمييز بين اللغة العادية واللغة العلمية التى يبدأ منها التفكير المنطقى والعلمى، حيث ينبغى التمييز بين العبارات اللغوية ذات المعنى الذى يمكن الحكم عليه بالصدق أو بالكذب وبين العبارات التى لا معنى لها أو التى تحمل معنى لا يمكن الحكم عليه بالصدق أو بالكذب، وبالطبع فإن التفكير العلمى يبدأ من تلك العبارات التى نملك وسيلة عقلية أو تجريبية للتأكد من صدقها وهى التى سماها أرسطو «القضايا المنطقية» ومن هذه القضايا نبنى الاستدلالات المنطقية سواء كانت استنباطية صورية كما فى الرياضيات أو كانت استقرائية تجريبية كما فى العلوم الطبيعية. وكلما كان المرء قادراً على التفكير بهذه الطريقة المنطقية الاستدلالية التى تفرز المقدمات أو «الافتراضات» الصحيحة وتستنتج ما يلزم عنها من نتائج كلما كان قادرا على فرز ورفض ماعدا ذلك من صور التفكير الأخرى ومن ثم يعيش حياته وفقاً لامتلاكه مهارات التفكير العلمى التى أبرزها بلاشك الموضوعية واستبعاد الميول والأهواء الذاتية فى أى عمل يقوم به وتنتظم حياته العلمية والعملية على هذا النحو الممنهج.

ولا ينبغى أن يظن أحدنا أن سيادة نمط التفكير العلمى عند البشر يعنى فقدانهم للانفعالات والعواطف والإحساسات المرهفة فقد خلق الإنسان ولديه كل ذلك بالتوازى وكل ما هنالك أنه يمارس حياته العلمية والعملية وفقا لمقولة «أن لكل مقام مقال»، فهو حينما يكون فى معمله أو فى جامعته مثلا  فهو العالم المدقق الموضوعى وحينما يكون بين أحبائه وأفراد أسرته فهو ذلك الشخص المحب الحنون الغيور.. ألخ.

ومع ذلك فإن سيادة نمط التفكير العلمى فى حياة المرء يمكنه حتى من تنظيم حياته الخاصة والعاطفية بشكل يشعره أكثر بالسعادة، حيث ينعكس على قدرته على تنظيم وقته والاستفادة القصوى من كل لحظه من لحظاتها.

 

[email protected]