رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

 

عندما كنت أزور جدتى لأمى فى عصر ما قبل الكهرباء، كنت أستمع إلى هذين المثالين الشعبيين: تقول جدتى: «يا بخت من أبكانى وأبكى الناس على حالى، ويا ويل من أضحكنى وأضحك الناس على حالى»! ويرد خالى: «إصرف ما فى الجيب يأيتك ما فى الغيب»!

لم يكن عمرى فى ذلك الوقت يسمح لى بفك طلاسم هذا النوع من الكلام الذى يرمى إلى أحوال أخرى غير مباشرة، ولم يشرح لى الكبار المقصود من هذه الأمثلة التى كانت من ضمن بروتوكول استقبالى أنا وأمى فى بيت جدى عندما تقرر زيارة «المخول» والمخول فى الصعيد هم الأخوال، يقول الناس: هذا مخوله نظيف أى أن عائلة والدته أصيلة ومحترمة ومعروفة.. وعلى طريقة الكلام يجيب بعضه، أى الكلام يجيب كلام، كنا نلتف أنا وأمى وأخوالى وخالاتى وجدتى حول طعام الغداء، ويتكون من كل ما لذ وطاب، وبعد الأكل نحلى بالقصب فوق السطوح، سألت خالى مرة عن الأمثلة التى أسمعها وأسباب تلاوتها كثيرا فى بيت جدى كان يقول لى: هذا كلام كبير عليك مفيش داعى تشغل بالك به في هذه السن الصغيرة، وكبرت وانتقلت جدتى وخالاتى وأخوالى وأمى إلى رحمة الله، وتفرغت لوحدى لتفسير هذه الأمثلة يعنى ايه إصرف ما فى الجيب يأيتك ما فى الغيب، قلت هذه هى سياسة السداح مداح، وأيام الانفتاح، وأيام التهليب التى أوقعت البلد فى فخ الاستدانة من الخارج، ومددنا أيدينا للقروض والتى جعلت الدائنين يتحكمون فى طريقة حياتنا حتى يوفروا أقساط القروض وفوائدها، وظللنا نحن على حالنا نصرف ما فى الجيب وهو عوائدنا القليلة وكان يذهب معظمه للصوص والحرامية الذين يتحلقون حول السلطة، ونقرأ فى اليوم التالى أن الجهات المانحة تدرس طلبنا للاقتراض، وترسل لجاناً للدراسة والبحث، وتوافق بشروطها، هذا هو الغيب الذى كنا ننتظره، لم تكن لدينا خطط للاعتماد على أنفسنا، ولم نعرف سياسة شد الحزام، كان هناك شد اللجام لإخراس الناس البسيطة.

الناس البسيطة كانت مكوية بنار الهليبة، لا علاج، ولا دخل، ولا كلمة طيبة، الكبار هم الذين كانوا يعالجون على نفقة الدولة، والغلابة يموتون على أبواب المذلة، وعندما يموتون لا يعزى فيهم أحد، خوفاً من العتاب أنهم لم يعالجوا مثل فلان أو علان، مرة أحد الوزراء قال خطبة يعاير فيها أحد ممثلي الشعب، عايره بحجة أن الدولة عالجته على حسابها، وكأن فلوس الدولة كانت تكية «باباه».

كان الكبار والواصلون يعالجون على حساب البلد، والفقراء يموتون لأنهم لا يجدون ثمن حقنة أو شريط برشام.

صرف ما فى الجيب على الرعايا والمحاسيب جعل ما يأتى من الغيب يدفع تكاليفه الفقراء.

أما المثل الذى أبكانى وأبكى الناس على حالى، هو مرحلة الإصلاح الاقتصادى التى نمر بها حالياً، والتى جعلت الناس يتحملون أعباءها وهم راضون، لأننا لا نريد أن نمد أيدينا للخارج وننتظر ما هو فى الغيب، ونجعله حملاً ثقيلاً على الأجيال القادمة، أبكانا الإصلاح، لكنه  بكي من أجلنا أيضاً، حتى نقف على أقدامنا، ومعناه فى الصعيد نشد الحزام ونحوش قرشين للعيال ينفعوهم، حالياً السلطة تعمل لمستقبل العيال القادمة ونحن نتحمل عبء الإصلاح حتى لا نمد أيدينا لأحد من جهات الإقراض الدولية لتتحكم فى شرابنا وطعامنا بعد ذلك.

بكينا، وهناك من بكى على حالنا وقال لنا شكراً، ووصفنا بأننا أبطال معركتى البقاء والبناء لتحقيق مستقبل أفضل، اليوم نبكى وغدا نضحك عندما نجنى إنتاج المصانع والمشروعات العملاقة ونجنى ثمار الصبر لأن الصبر دائماً مفتاح الفرج.