عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

.. عن طريق العم صلاح السعدنى صادقت وتعرفت وتشرفت بباقة من أهل الفن.. كنت أعرف الكثيرين منهم وأنا طفل صغير، ونال البعض منهم ما نال من شقاوتى وسلاطة لسانى، وكان العم صلاح ومعه عادل إمام وسعيد صالح يحرضوننى دائما على سمير خفاجى مدير فرقة الفنانين المتحدين، وكانوا يطلقون عليه لقب الخواجة «جروبى»، وكنت فى الخامسة من عمرى من أرذل خلق الله إنسانا، إذا أطلقتنى على أحدهم كره الدنيا بمن فيها، لكن بالتأكيد عندما عدت من بغداد بعد كل هذه السنوات تغيرت كثيرا وتحولت العلاقة من شغب وملاسنة ورذالة وتلقيح جتت إلى صداقة ومحبة.. عرفت محمود الجندى وفاروق الفيشاوى ولم يكن بهما سابق معرفة، فد لمعا فى دولة الفنون أثناء سنوات الغربة وكانا شديدى التعلق بصلاح السعدنى، ولعل الفيشاوى فى ذلك الزمان قد تأثر بثقافة صلاح وطريقته فى الكلام وحرصه على الظهور فى وسائل الإعلام بالتحدث بالعربية الفصحى، واكتشفت داخل الجندى مساحات فنية غير معروفة، فهو صاحب صوت جميل للغاية، يستطيع الغناء وطبقات صوته تسمح بالجواب والقرار دون أن يفقد الصوت قوته أو حلاوته، وكان ثالثهما العم عبدالله فرغلى، وهو المتحدث الرسمى الأوحد فى أى تجمع، وهو مكلمة بحق وحقيق يستطيع أن يحول أى موضوع مهما كان إلى موقف كوميدى متواصل، وهو مثقف مصرى حقيقى وقارئ نهم ويجيد إلى جانب العربية الفرنسية والإنجليزية، لكن دولة الفنون لم تظهر كل الجوانب المشرقة فى شخصية عبدالله فرغلى، ومن شدة عشق صلاح السعدنى لهذا الرجل كان فرغلى هو القاسم المشترك الأعظم فى كل الأعمال التى كان صلاح يلعب بطولتها، وحتى عندما اتجه صلاح إلى المسرح قرر أن يسحب معه عبدالله فرغلى فى مسرحية «زقاق المدق» التى كتبها للمسرح أعجوبة عصره وكل العصور بهجت قمر، وكانت معالى زايد تشاركهما البطولة وكان العمل فوق خشبة المسرح يسير بشكل منظم ومنضبط ودقيق، لكن خلف الكواليس اتفق الجميع على شخص عبدالله فرغلى، فكانوا يعاندونه ويعارضونه الرأى فى أى كبيرة وصغيرة من أجل استفزازه، وكان عبدالله فرغلى إذا استفز أخرج ما فى جعبته من سباب يلقيه بطريقة الملوانى مدرس مدرسة المشاغبين فيستلقى الجميع على قفاهم من شدة الضحك، وكان الجميع يستدرجون فرغلى لعملية الاستفزاز بشكل يومى وبدوره كان فرغلى يستجيب لعملية الاستفزاز، وكانت كواليس المسرح فيها من الضحك أكثر مما تجده على خشبة المسرح، لذلك كنا نسهره بشكل يومى فى كواليس مسرح المتحدين لكى نستمتع بهذا العرض اليومى المتجدد بين الثلاثة معالى وصلاح وفرغلى، أما المكان المفضل لأصدقاء صلاح فكان «اللوكيشن» وهو المكان الذى يطل على النيل خلف مسرح الجيب مباشرة، والذى تحول هذه الأيام إلى مرسى للمراكب والمطاعم الشهيرة واختفى بالطبع هذا التجمع المبهر لفنانى مصر فى تلك البقعة الساحرة من أرض مصر.. وقد كان عادل إمام وفريد شوقى وإبراهيم عبدالرازق وسعيد صالح وعهدى صادق والفيشاوى والجندى وسعيد طرابيك وفرغلى والمحامى سعيد سيدهم وأبوبكر عزت وعصام الجمبلاطى وسناء شافع وشوقى شامخ والمنتصر بالله، من أشهر رواد هذا المكان، وكان الدائم التواجد هناك هو إبراهيم عبدالرازق، عندما وقع بصرى عليه للمرة الأولى تصورت أنه تاجر حشيش دخل الفن عن طريق فلوسه، لكننى عندما تعرفت عليه أدركت أننى أمام ممثل غول عملاق لم يستطع أحد من نجوم الإخراج فى مصر أن يخرج كل ما فى جعبة هذا الفنان من مواهب.. وكانت كرة القدم هى الدافع الأول والوحيد الذى ألقى بإبراهيم عبدالرازق فى طريق الفن.. وهو أول الذين يحضرون إلى اللوكيشن فإنه يتولى عملية الضيافة وبمجرد وصولك يسألك حاتشرب إيه.. جنزبيل، قرفة، ينسون، حاجة ساقعة؟.. ثم بعد قليل يعيد السؤال: حاتاكل إيه كوارع ولا ممبار ولحمة راس ونيفة؟.. ولأننى كنت أشكره دائما على كرم ضيافته وأرفض رفضا قاطعا تناول أى من هذه الوجبات الشعبية التى كان يعزمنا عليها، فقد سألنى العم صلاح ذات مرة أن أوافق على الأكل وأن أطلب أى شىء.. وبالفعل طلبت منه أن نأكل لحمة راس، فضرب بيده على صدره وهو يقول غالى وابن غالى والطلب رخيص، ثم رفع يده نحو عينه وقال: من العين دى قبل العين دى، وهنا ضحك العم صلاح من أعماق القلب وأطلق سعيد صالح صيحة استنكار إسكندرانى وجلس إبراهيم عبدالرازق على قفص صغير وناولنى آخر كى أجلس إلى جواره واقترب منى وسألنى: انت عارف أنا دخلت الكار ده إزاى؟! فأجبت بالنفى.. فعاد ليقول: يبقى أحكى لك الحكاية من الأول.. وهنا اعترض العم صلاح وقال: أنا بأقول الأول ناكل لحمة الراس وبعدين نحكى لأكرم إزاى دخلت وبقيت مشخصاتى، لكن إبراهيم قال: إحنا حانسخن بالكلام على بال الأكل ما ييجى.. وروى لى حكايته مع فريق كرة القدم فى المنصورة، وهى نفس الحكاية التى رواها للحاج إبراهيم نافع فى الشارقة ولكن بسيناريو جديد، فقد كان التركيب الجسمانى لإبراهيم عبدالرازق مهيبا ولياقته البدنية فى أشدها ومن أجل هذه الأسباب اختاروه حارسا لمرمى الفريق، وفى إحدى المباريات المهمة كانت المنصورة على موعد مع المجد إذ فازت باللقاء وصعدت إلى دورى المجموعة «ب» واستعد الفريق بأطايب الطعام فأكلوا عند مشجع الفريق الأول «أبوفراخ» وهو رجل يعشق كرة القدم وهو تاجر فراخ بلدى معتبر كان يصرف على الفريق من ملابس وكور ومدربين وخلافه، ويتولى أيضاً عملية إطعام أفراد الفريق، وقد أطلق عليه إبراهيم عبدالرازق لقب «أبوفراخ».. وهنا تدخل سعيد صالح فى الحوار وقال: طيب انت مش حاتعمل زى أبوفراخ.. فقال إبراهيم يعنى إيه؟! فرد عليه سعيد يعنى تأكل الواد الغلبان الممصوص ده لحمة راس.. فين هى لحمة الراس دى؟! فأجاب إبراهيم: الطلبات جاية فى الطريق يا سعدة.. وأضاف: عمك أبوفراخ بقى فى المباراة إياه وعدنى بقفص فراخ بلدى فوق المكافأة، وبدأت المباراة وكانت الفرقة اللى بتلاعبنا عيال زى العفاريت الزرق ما نفهمش بينقلوا الكورة إزاى يا جدع واحدة والتانية والتالتة تلاقيهم قدام الجون.. وحياتك عملت اللى أقدر عليه وزيادة حبتين لكن تقول إيه بقى الحظ المهبب وقف ضدنا ودخل فيّا سبع إجوان.. ووقف أبوفراخ ينتف فى شعر رأسه ورا الجون بتاعى.. وشوية يلطم على خدوده وهو يصرخ: الماتش راح.. الحلم راح.. وأنا أرد عليه: والفراخ راحت علينا إحنا كمان.. وبعد المباراة جاء أبوفراخ ليعاتبنى وحدى دون أفراد الفريق وهو يقول: ده كلام يا جدع انت الناس دول يشوطوا فيك سبع شوطات يدخل سبع اجوان. قلت له: احمد ربنا إنهم من سبع شوطات مادخلوش 8 أجوان.. ويضحك السعدنى وسعيد صالح، ويقول صلاح الحكاية دى حلوة قوى يا عم إبراهيم -وكان السعدنى بدوره قد استمع إليها عشرات المرات- بس فين لحمة الراس اللى عزمت عليها الواد أكرم، وكأن صلاح لم يسأله شيئاً على الإطلاق، وعاد ليوجه كلامه لى وهو يقول إنت ماعرفتش بقى أنا مثلت إزاى.. فيرد السعدنى قائلاً: ما هو ده عمك إبراهيم.. يعزم واحد زيك كده جديد على اللوكيشن على الأكل وبعدين يستفرد بيه ويقعد يتكلم فيه لحد الصبح.. وعلىّ النعمة لا فيه ممبار ولا لحمة راس ولا كوارع ولا أى حاجة فيه كلام فى كلام وبس.. ثم يأتى الملك زعيم دولة الكلام وخفة الدم أسطورة دولة الفنون فريد شوقى الذى بدأت صداقتى به منذ عام 1981، وحتى اليوم الأخير فى حياته، أطلق جملته الشهيرة إزيك يا حياتى.. أخباركوا إيه.. كله تمام.. تمام تمام.. وكنت كلما تحدث الملك أنصت إليه باهتمام شديد، فقد كان بالنسبة إلى شخصى الضعيف أسطورة بحق وحقيق واكتشفت كم هو غريب هذا الرجل أمضى رحلة الحياة بلا خصومة مع أحد أو اكتساب عداوة مع أحد، ولكننى اكتشفت ما هو أهم من ذلك أن بطل أبطال السينما العربية كان بطلاً فى الضرب والطحن والنزال فقط فى السينما.. فقد كان الملك يخشى الخناق حتى فى شبابه المبكر، وقد حكى لى النجم الكبير سمير غانم أنهم عندما بدأت السينما تغلق أبوابها فى مصر بعد وكسة 67 واتجه نجوم الفن نحو لبنان قام أحد الوجهاء هناك بدعوة العديد من النجوم، كان على رأسهم فريد شوقى ومعه نخبة من النجوم والنجمات لكن أحدهم وكانت عيونه زايغة قام بمغازلة زوجة هذا الوجيه اللبنانى، فما كان من الأخير إلا أن أخرج مسدسه وأطلقه منه عدة طلقات فى الهواء، فأصاب الجميع بالخوف، وبعد أن هدأت الأحوال بحثوا عن فريد شوقى فلم يعثروا له على أثر، لكن الضيف أحمد بحث عنه تحت الترابيزات فوجده جالساً القرفصاء يقرأ آيات من القرآن الكريم ويدعو الله أن ينجيه من المهالك، وما كان من الوجيه اللبنانى إلا أن انفجر ضاحكاً، وهو يقول: شوها الحكى هادا بطل السينما تبعنا تحت الطاولة.. ويرد عليه فريد شوقى يعنى هى شطارة أنى أقف قدام الرصاص.. ويضحك الرجل أكثر وهو يؤكد لفريد شوقى على أن المسدس من نفس النوع بتاع السينما فشنك يعنى.. ويلعن فريد شوى اليوم الذى سافر فيه إلى بيروت وقبل عزومة هذا الرجل المخبول.. وقد سألت فريد شوقى عن حقيقة هذه الواقعة فى تلك الليلة التى وقعت عينى عليه فى اللوكيشن.. فقال لى وبراءة الأطفال تفط من عينيه.. مضبوط يا حياتى تمام.. كل اللى قلته صحيح.. وأنهى كلامه بضحكة مجلجلة من القلب!!
وكشف لى فريد شوقى عن أسرار لم أكن على علم بها من قبل، فقد قال لى إنه تعرف على الولد الشقى السعدنى الكبير فى كازينو بديعة حيث يلتقى عِلية القوم، وكان السعدنى، يقصد محمود السعدنى بالطبع، أنيقاً وسيماً لدرجة أنه عندما تعرف على نجيب الريحانى عرض عليه الأخير أن يعمل فى السينما، وبالفعل حدد الريحانى للسعدنى ملامح الدور الذى يراه فيه، وانشكح السعدنى الكبير وكان نجيب الريحانى يحب فى السعدنى خفة دمه وسرعة بديهته وعوده الرفيع ولكننى -أى فريد شوقى- كنت أعتقد أن السعدنى خُلق لكى يكون كاتباً، وبالفعل توفى الريحانى بعد وعده للسعدنى بشهور قليلة ونسى السعدنى الكبير القصة برمتها.. ويضيف الملك: ربك كان لطيفاً بعباده.. ويعقبها بضحكة طفولية من الأعماق.. لكن السعدنى -والكلام للملك- ركز على اهتمامه بالصحافة.. وسألت الملك عن ولى عرشه فى عالم التمثيل، فأجاب عهدى صادق.. الوريث بتاع الملك هو فاروق الفيشاوى.. وقال آخر محمود حميدة، وقال شوقى شامخ عادل إمام، لكن الملك أشاح بوجهه فى إشارة للاعتراض وعاد بعد فترة صمت قليلة جداً ليؤكد وهو يقول بكل ثقة محمود عبدالعزيز هو ده الخليفة بتاعى والملك من بعدى.. وعندما سألته عن السبب قال: الشاسيه بتاعه.. هيرو.. بطل.. ومحمود عبدالعزيز ابن بلد وفهّيم ومعلم وقريب من أولاد البلد.. دخل قلبهم يقدر يعبر عنهم كويس قوى فى أفلامه وهيكون ممثلهم والمنتصر لهم ولحقوقهم فى عالم السينما.. وأضاف: ده ولد إسكندرانى ابن بلد ومجدع.. هوده خليفتى يا حياتى.. ولا أخفى عليكم أننى كنت أتوجه كل يوم بصحبة العم صلاح إلى اللوكيشن وأنا أتمنى من أعماق القلب أن أشارك هؤلاء الناس مهنتهم، فهم أقرب إلى قلبى وأحب الناس إلىّ، وقد حدث لشخصى الضعيف انبهار بهم جميعاً وبلا استثناء.. ولكن الولد الشقى شعر بأن انجذابى إلى التمثيل قد يقودنى إلى طريق غير الطريق الذى رسمه لى، فهو كان يتمنى لى أن أواصل مسيرته وأن أعمل بالصحافة خصوصاً أننى أيضًا اقتربت من نجومها عن طريقه، وأحببتهم جميعاً، لكننى اكتشفت أننى فى الأحلام مثل فريد شوقى، أو عبدالعال بطل الأبطال وساعة الجد أنا أخوف خلق الله إنساناً، فما أصعب الوقوف أمام الكاميرا أو مواجهة الكاميرا.. لقد حمدت الله لأننى نجوت من هذا الخوف الأزلى والرعب الذى ليس له مثيل بالوقوف فى هذا الموقف المحرج.. بل إننى أصبحت أشفق على كل هؤلاء الأصدقاء من أتعاب المهنة التى لا يعلم عنها أحد سوى هؤلاء الذين اكتووا بنارها.. بالفعل مهنة المتاعب والهموم والشقى والضنى، فأنت مطالب بأن تدخل البهجة والسرور فى نفوس الآخرين حتى لو كنت حزيناً مهموماً مغموماً، إذا أصابتك مصيبة فعليك أن تكتم مشاعرك داخلك وأن تجتر همومك دون أن يلحظها أحد غيرك وبعد ذلك فأنت ستدور فى ساقية لا تتوقف تخرج من فيلم لتدخل فى تمثيلية لتعود لتقف وتؤدى دوراً على خشبة المسرح وهكذا تسير بك الحياة على طريقة دوخينى يا لمونة.. صحيح كان الله فى عون إخواننا الممثلين الذين هم مكتوب عليهم أن يرسموا الضحكة على شفاهنا وأن يلقوا بالبهجة فى نفوسنا وأن ينيروا لنا الطريق باعتبارهم حملة مشاعل النور ونحن لا نعلم عن حياتهم الخاصة شيئا أو عن أحزانهم الخاصة شيئاً.. وكلنا يتمنى أن يكون واحداً منهم ظناً منا أنهم جميعاً يعيشون حياة مخملية وردية، وهى بالتأكيد صورة خاطئة منقوصة ليس لها أى علاقة بحقيقة الأمور!!