عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

حين يتلقفنى الصقيع القاسى مزججاً بحبات المطر الغزير، وتطالعنى الوجوه الثلجية مع ابتسامات مصطنعة أو مقتضبة، أود لو أدير ظهرى لهم، وألقى بكل ما تكلفته تحت أقدامى، وأعود أدراجى إلى معشوقتى لألمس وجهها الطيب وشمسها الحنون، ولكن هيهات أن أتراجع وبداخلى كل هذا الحنين المعذب لأن احتضن أجزائى الثلاثة.. فلذاتى، أضمهم لقلبى بعد غياب طال هذه المرة لأسباب أهمها انخراطهم فى دراساتهم الجامعية فى أنظمة رفيعة ليس بها كسل أو تقاعس ولا وساطة أو دروس خصوصية، فأتجاهل الصقيع ولسعات المطر، والوجوه الجامدة، وأطوى حنينى لمشعوقتى، والتى أشعر كلما فارقتها وكأنى طفل وليد انتزعوه من حضن أمه.

نعم.. جميلة هى، مرسومة كلوحة منمقة، اللون الأخضر فى كل مكان، وبكل حى غابة صغيرة تتوسطها ألعاب حرة للأطفال، لتنطلق إليها العائلات فى مرح وحرية، حيث لا يعرفون الأندية الاجتماعية كما الحال لدينا، بيوتهم كما تبدو فى كل الأفلام الغربية، مقسمة فى تناسق هندسى يسر الناظرين، لا تشوه ولا عشوائيات، ولا تنافر أو تناقض بين بنايات رديئة متهدمة وأخرى فاخرة برجية المشهد، بل الأبنية العالية متجاورة، والفيلات والبيوت الصغيرة أيضاً متجاوره، والإجمالى من هذا وذاك يمنحك تناغما وشعورا مريحا بوجود حد كبير من العدالة الاجتماعية.

نهر الماص.. نهر الراين، بحر الشمال، كلها تمر بهولندا، تسير على شاطئ أى منها، أو تزور ميناءها فى روتردام، تجد كل شىء نظيفاً مرتباً، لا ارتباك فيه، لا مخلفات فى البحيرات أو على الشواطئ، ولا يمكن لمخلوق أن يلقى أى شىء فى المياه أو فى الشارع، ولا يؤرق الهولنديين سوى مخلفات الكلاب المدللة التى يسير بها أصحابها فى الشوارع، وقد خصصت مجالس المدن أماكن خاصة «أى دورات مياه كلابية» ليقضى بها الكلاب حاجتهم لمواجهة المشكلة.

حين أقف على محطة القطار.. فيأتى فى موعده بالدقيقة، وكذلك الترام والمترو، حين أجد الركاب يبادرون إلى الماكينات الملحقة بكل عربة من عربات الترام ليسجلوا قيمة المسافة التى يقصدونها عبر بطاقتهم الإلكترونية الخاصة من أنفسهم حيث لا تزويغ ولا «فهلوه» لأنهم تعلموا أن سرقة المال العام سرقة مال الشعب، وأى تهرب من هذا النوع بما فيها التهرب الضريبى عقوبته مشددة أشد من عقوبة القتل العمد، لأن سرقة المال العام يتم تكييفها كجريمة تعمد لسرقة وقتل الشعب، حين أرى كل هذا.. ينتابنى شعور خانق بالغيرة الشديدة، وأرى معشوقتى مصر بعين خيالى هكذا، جميلة.. نظيفة، مهندمة، لا زحام فيها ولا مخالفات مرور، كل مواطن يشعر بالانتماء والخوف الشديد على بلده من التلوث والتشوه، لأنهم علموه وهو فى الروضة الانتماء وحب الوطن، ولأنهم يدرسون له كيف بنى أجداده الوطن بعد انتزاع أرضه من فم بحر الشمال، وكيف أعادوا بناءها بعد دمار الحرب العالمية الثانية، وكيف دفع أجدادهم الكثير من الأرواح والجهد والعرق كى تصير بلادهم هكذا.

ولو شاهد أحدهم مراهقاً أو أجنبياً مخرباً لأى ممتلك عام أو يحاول إثارة الفوضى، يبادر بالاتصال بالشرطة، حماية الممتلكات العامة واجب شعبى ووطنى عام ليس قاصراً على الشرطة فقط، ينازعنى الحنين لمعشوقتى الدافئة شتاءً، وأنا أسير مرتعشة الأطراف - رغم كم الدثار الذى يلفنى - بمحاذاة بحيرات تجمدت فيها المياه لتصبح جليداً، بما يترك فرصة ليمرح فوق جليدها «البط» البرى والطيور الأخرى المهاجرة فيزداد مشهد الطبيعة الخضراء روعة بفعل الأمطار ورعاية أيادى الهولنديين العاشقين لبلدهم، وفيما أتأمل..وأتمنى لبلدى كل هذا، يطالعنى عبر الهاتف خبر مشئوم، الإرهاب الأسود يطل مجدداً بوجهه القذر الكئيب على مصر الآمنة، ويضرب أتوبيساً سياحياً يضم عدداً من ضيوف مصر الفيتناميين.. حرقاً لكم يا خونة الوطن، يا من تحاولون هدم كل ما يبنى وتخريب ما يتم إعماره.. لولاكم أنتم ولصوص أقوات الشعب وحيتان المال العام، لصارت مصر نموذجاً مما أرى.. ورغماً عنكم ستظل مصر معشوقة الملايين من أبناء شعبها الوفى الأصيل.. وسيأتى يوم لتصبح كما أتمنى ويتمناه كل عشاقها.

[email protected]