رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

كذب من قال ان ابن تيمية مات، فهو حى بيننا، صحيح أنه ليس حى يرزق ولكنه حى بأفكاره التى تغذى التطرف والإرهاب. هذا هو جوهر ما ذهب إليه أستاذ الفلسفة الدكتور مراد وهبة فى حوار له مع اليوم السابع أمس الأول. وبغض النظر عن اختلافك أو اتفاقك مع أفكار ورؤى وهبة، فى الحوار أو فى العموم، فإن الفكرة جزئيا صائبة، فالرجل – ابن تيمية- رغم وفاته منذ أكثر من ثمانية قرون – 727 هـ – يكاد أن يصبح ملء السمع والبصر فى أوساط معينة تهتم بما تراه تأثير فكره على جماعات الإرهاب.

منذ نحو الشهر وفى خضم التباين «الشهير» والذى كان شيخ الأزهر طرفا فيه حول الموقف من السنة النبوية راحت مجلة روز اليوسف تقدم غلافا معبرا تضمن عنوانه الرئيسى «الفقيه الذى عذبنا» كان تصميم الغلاف لا يتيح للقارئ معرفة من هو هذا الفقيه بالضبط : هل هو الشيخ الطيب الذى جاءت صورته أسفل العنوان أم ابن تيمية الذى جاء غلاف كتابه «الفتاوى الكبرى» أعلى العنوان المذكور. غير أنه بقراءة متن المجلة تعلم أن المقصود الحقيقى هو إبن تيمية، وهى رؤية تأتى على خلاف ما ذهب إليه الكاتب الكبير الراحل عبد الرحمن الشرقاوى الذى رأى العكس وهى أن ابن تيمية واجه العذاب وليس تعذيب الآخرين كما تذهب المجلة وهو ما عبر عنه عنوان كتابه «ابن تيمية.. الفقيه المعذب» بفتح الذال وليس كسرها!

ولأن الرجل يبدو مثيرا للجدل فإنه لا يكاد يمر يوم أو يومين إلا وتجد اسمه يتصدر الصحف والإعلام.. وعلى ذلك فأنت تقرأ فى اليوم السابع السبت قبل الماضى على صفحة كاملة موضوعا حول «فضح» الشيخ الذهبى لما يسمى بأكاذيب ابن تيمية فى حق النبى وتحديدا حادثة الغرانيق، التى رغم خطورتها وعدم منطقيتها وانعدام عقلانيتها، حسبما يذهب كاتب الموضوع، تجدها مثبتة لدى «ابن تيمية»، حينما أورد فى «منهاج السنة النبوية» ما يؤكد به واقعة الغرانيق قائلا: «على المشهور عند السلف والخلف مِن أن ذلك جرى على لسانه ثم نسخه الله وأبطله».

وعلى المنوال ذاته لا تعجب أن تجد كتابا من القطع الكبير بعدد صفحات يتجاوز 500 صفحة صدر منذ سنوات – 2003–عن «أخطاء ابن تيمية فى حق رسول الله وأهل بيته» رغم أن ابن تيمية ذاته وانطلاقا من الموقف ذاته، حب الرسول والغيرة عليه، راح يقدم كتابا كاملا فى الدفاع عنه والهجوم على خصومه هو «الصارم المسلول على شاتم الرسول».

فى تقديرى أنه لاشك أن فكر وفقه ابن تيمية يمثل استثناءا فى مسيرة مفكرى وفقهاء الإسلام على مدار تاريخه، غير أن المشكلة فى تعاملنا الحالى معه هو أدلجته ووضعه فى سياق محدد يقتضى معه محاربته والقضاء عليه وعلى من يهتم بفكره، وهو أمر يصل لحد التطرف فى تأكيد مراد وهبة على أن ابن  تيمية يعيش مطاردا الآن فى السعودية على حد وصفه!

المشكلة الأكبر أن الكثيرين، لم يقرأوا ما كتبه الرجل، ولم يضعوه فى السياق الزمنى والمكانى للبيئة التى عاشها، سواء كان ذلك من راح يتهم ابن تيمية بأنه الفقيه الذى عذبنا أو ذاك الذى تحدث عن فضح أكاذيب إبن تيمية فى قضية قد يقع خلاف بشأنها.

وإذا كان مراد وهبة فى الحوار المشار إليه ينتقد الدكتور حسن حنفى باعتبار أنه فى تصوره لم يقرأ الكتب التى ألقها وهبة، فإننا نؤكد أنه من الواضح أن وهبة نفسه لم يقرأ كتب ابن تيمية. ولعله لو قرأ كتاب ابن تيمية «السياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والرعية لاختلف موقفه حيث يبدو ابن تيمية فى الكتاب يتبنى موقفا «محافظا» يؤكد من خلاله ضرورة عدم الثورة على الحاكم فى أسوأ الظروف.

ولعله لو قرأ كتابه الموسوعى الذى يقع فى عشرة مجلدات «درء تعارض العقل والنقل»، وهو كتاب يمكن أن يوازى فى أهميته ومضمونه ما قدمه ابن رشد الفيلسوف الذى يغرم به وهبة ويتماهى معه فى كتاب «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال» لاختلف موقفه. والرسالة التى ينهض بها ابن تيمية فى هذا الكتاب كما تقول المقدمة التى نشرت للكتاب فى سلسلة «تقريب التراث» الصادرة عن مركز الأهرام للترجمة والنشر هى أعظم ما تواجه به تيارات التعصب والإنحراف بين الشباب ترشيدا لمسيرتهم وتنويرا لعقولهم. ومن بين ما يشير إليه صاحب المقدمة ان إبن تيمية كان حريصا على أن يقرر لطلابه أن مناقشة المخالفين لا تعنى إخراجهم من حظيرة الإيمان أو العدوان على معتقداتهم القلبية، وهو ما يبدو فى قوله صراحة «والذى نختاره ألا نكفر أحدا من أهل القبلة».

بعيدا عن أى شىء، هذا هو ابن تيمية الحى رغم موته والذى تباينت المواقف منه على نحو ما يشير الشيخ الراحل حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية وعضو جماعة كبار العلماء فى تقديمه لكتاب «الفتاوى الكبرى» حيث يقول: «انقسم فيه العلماء إلى فرق : فريق يؤيده ويناصره، وفريق ينابذه ويعانده، بل يضلله فى بعضها أو يكفره، وفريق ثالث يوافقه فى بعض وفى بعض يخالفه». رحم الله ابن تيمية وغفر له بما ترك من آثار تجمع بقدر ما تفرّق!.

[email protected]