عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

 

بحضور 60 باحثا ومفكرا مصريا وعربيا، عقد المؤتمر السنوى التاسع والعشرون للجمعية الفلسفية المصرية تحت عنوان «النقل والإبداع» من الثامن حتى العاشر من ديسمبر الماضى، وقد نوقش فيه حوالى ستين بحثا حول قضية: لماذا طالت فترة النقل وغاب الإبداع فى الفكر العربى المعاصر؟!. وقد ثار الخلاف بين الحاضرين بداية حول معنى النقل ومعنى الإبداع رغم أن المفكر الكبير د. حسن حنفى قد عرفهما فى محاضرته الافتتاحية مؤكدا أن المقصود هو النقل والإبداع الحضارى وليس الفردى أو الأدبى، وموضحا أن كل الحضارات الانسانية مرت بالمرحلتين معا باستثناء الحضارات الشرقية القديمة التى غلب عليها الإبداع دون النقل.

وقد ثار النقاش حول النقل بمعنى الترجمة الحرفية للنصوص أو تقديم التعليقات والشروح عليها، فهل يعنى النقل هنا سواء كان نقلا بالنص أو بالمعنى مصحوبا بالشرح والتعليق غيابا للإبداع، أم أن فيه ذلك الإبداع الذى يعنى التواصل بين لغتين وثقافتين وحضارتين وفيه روح الحضارة الجديدة التى تحاول النهوض عبر هذا التواصل مع الحضارات والثقافات الأخرى، مما يؤكد الاعتراف بالتعددية الثقافية؟! وهل يعنى الإبداع المطلق خلقا من عدم أم أنه لا يوجد أصلا إبداع مطلق، حيث تنقل كل حضارة ما تريد من الحضارة أو الحضارات السابقة، بحيث تولد الحضارة الجديدة من رحم الحضارة السابقة مستعيرة منها أفضل انجازاتها وبعض ابداعاتها ثم تضيف على ذلك من روحها الوثابة وتميزها الإبداعى؟!

وبالطبع غاص الباحثون فى تقديم نماذج شتى من الفلاسفة عبر العصور الحضارية الذين تراوحوا بين النقل والإبداع عبر صورتين اثنتين لا ثالث لهما فهناك أمثلة على حضارات أبدعت دون نقل مثل الحضارات الشرقية القديمة، خاصة الحضارة المصرية القديمة وهى ربما تكون الحضارة الوحيدة الجديرة بلقب الحضارة المعجزة، لأنها أنشأت نفسها بنفسها، وكان ذلك على غير مثال سابق، وهناك بعد ذلك الحضارات الانسانية المتتابعة التى أثر السابق منها على اللاحق  بحيث لم يكن ممكنا لأى منها أن يبدأ إلا من حيث انتهت الحضارة السابقة؛ فقد نقل اليونانيون عن الحضارات الشرقية القديمة وتتلمذوا عليها، ونقلت الحضارة الاسلامية العربية عن الحضارة اليونانية وتتلمذ علماؤها وفلاسفتها على النتاج الحضارى لفلاسفة وعلماء اليونان، وهذا ما فعلته الحضارة الغربية الحديثة حيث تعلمت ونقلت عن الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الصينية ما كان سببا فى انتشال الغربيين من العصور الوسطى التى أطلقوا عليها عصر الظلام والجمود إلى عصر جديد من الحداثة والتقدم الذى لا يزال مطردا حتى الآن منذ القرنين السادس عشر والسابع عشر.

وقد كانت كل هذه النقلات الحضارية عبر هذه الثنائية، ثنائية النقل والإبداع  وتم الانتقال من النقل إلى الإبداع تدريجيا عبر الترجمة والشروح للنصوص وعبر الاتصال الحضارى المباشر. والسؤال الذى كان ملحا هو: لماذا طالت لدى الحضارة العربية الحديثة فترة النقل رغم مرور أكثر من مائتى عام على الاتصال بالحضارة الغربية الحديثة نقلا وترجمة وإرسال بعثات..الخ؟! ما هى معوقات الإبداع؟ هل هو ناتج عن قصور فى العقلية العربية أم نتيجة انغلاق العقلية العربية على تراثها دون محاولة نقده أو تجاوزه، هل هو نتيجة الموجة الاستعمارية للبلاد العربية والإسلامية وربط مبدعيها بالحضارة المركزية الغربية لغة وفكرا؟! لقد تحدث الجميع عن أهم هذه المعوقات تتمثل فى غياب الحريات وأبرزها حرية التفكير والتعبير وتغلغل الاستبداد السياسى، فضلا عن تخلف النظم التعليمية القائمة على الحفظ والتلقين وغلبة التيارات الدينية السلفية التى تتوقف عند حدود ظاهر النص الدينى وترفض التأويلات العقلية التى من شأنها إعمال العقل فى النصوص الشرعية وتقديم الاجتهادات المواكبة للعصر.. إلخ هذه المعوقات التى أخذت الجانب الأكبر من النقاش وإن كانت هناك عوامل أخرى أعمق تتعلق ببنية الفكر العربى المعاصر ذاته، حيث شغل المفكرون العرب منذ رفاعة الطهطاوى بالتركيز على سؤال من أين نبدأ التجديد والتحديث هل من العقل أم من النقل، هل من حضارة العصر أم من التراث، هل من الثورة على القديم أم من التقليد؟! 

ونتج عن ذلك انقسامهم إلى ثلاث فرق ركزت إحداها على أن نقطة البدء ينبغى أن تكون عبر إحياء التراث، وركزت الثانية على أن البداية الصحيحة ينبغى أن تكون من حيث انتهى الآخرون والأخذ بكل ما فى العصر الحديث من تقدم علمى وفلسفى، وجاء التيار التوفيقى بين هؤلاء وأولئك ليؤكد أتباعه على أن الجمع بين الأصالة والمعاصرة ضرورى حتى يمكن التقدم والمشاركة فى حضارة العصر دون فقدان هويتنا الحضارية. وقد ظهرت بناء على ذلك المشاريع الفكرية التوفيقية  العربية المعاصرة كمشروع زكى نجيب محمود فى «تجديد الفكر العربي» ومشروع حسن حنفى «التراث والتجديد» ومشروع طيب تيزينى «من التراث إلى الثورة» ومشروع محمد عابد الجابرى حول نقد العقل العربى. وقد غلب على هذه المشاريع الفكرية تأكيد الثنائية المبنية على فكرة كيفية الجمع بين الأصالة والمعاصرة.

وفى اعتقادى الشخصى أن دوران الفكر العربى باتجاهاته الثلاثة حول هذه المشكلة  ربما كان أحد أسباب تأخر الإبداع حيث إن نقطة البدء تمحورت حول من أين نبدأ هل من الماضى أم من الحاضر ؟! والحقيقة أن الإبداع لا يمكن أن يبدأ من أيهما؛ فالماضى مضى وانتهى وحاضرنا إذا قيس بالتقدم الغربى يؤكد التخلف والجمود ولم يعد أمامنا لنمارس فيه حرية التأمل والإبداع إلا المستقبل، فالمستقبل هو مجال الممكن وإذا تأملنا ماذا نحن فاعلون فيه سنتجاوز كل تحديات الحاضر، مستخدمين بالضرورة كل امكانيات العصر أيا كان مصدرها وسنستغل فى ذات الوقت كل ممكنات واقعنا وما أكثر ما تملكه أمتنا من ممكنات وامكانيات لو نجحنا فى رصدها واستغلالها  عبر رؤية مستقبلية وحدوية  تفرض نفسها على واقع آخر نملكه هو اللغة والدين والجغرافيا والتاريخ والفكر المشترك، فهل آن أوان تجاوز الثنائية المتعلقة بالماضى والحاضر لننظر بعين التفاؤل - مع بعض الحذر -  نحو المستقبل؟!

 

[email protected]