رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

الاحتفال بالثورات ليس استدعاء لأحداثها ولكنها محاولة متكررة ومفيدة لفهم السياق التاريخي والاجتماعي والسياسي  الذي اشتعلت فيه تلك الثورات.. ثورة 1919 في تقديرى هي أم الثورات المصرية ومهم جدا أن تحتفل مصر الدولة بمئوية هذا الحدث العظيم ليس من قبيل التذكر وإنما للتأمل والتدبر والفهم  - ما أحوج الأجيال المعاصرة لأن تعرف وتدرك قيمة ما حدث قبل مائة عام.. وإذا كانت الهوية الوطنية المصرية الآن تتعرض لضغوط تصل أحيانا الى حد الخطر على مفهوم الجماعة الوطنية فإن أعظم قيمة لثورة 1919 أنها بثت الروح في الجماعة الوطنية المصرية - أقباط ومسلمين - وفوتت على القوى الاستعمارية التي كان يمثلها الاحتلال البريطاني فرصة تفتيت هذه الهوية ببث الفرقة التاريخية بين مكوناتها وأطيافها على أساس ديني بغيض.. أهم شعارات ثورة 19 التي التف حولها كل المصريين أقباط  ومسلمين كان شعارها « وطننا ديننا » وقد نحت هذا المبدأ السياسي القبطي سينوت حنا الذي افتدى مصطفى النحاس باشا بجسده لحظة إطلاق الرصاص عليه بالمنصورة بتدبير من حكومة اسماعيل صدقى، وتوفي بالقاهرة متأثرا بجراحه.. وتجلت عبقرية ثورة 19 في استنهاض كوامن الروح المصرية بشكل بديع أذهل العالم الغربي وقتها وهزم رهانه على ضرب الأقباط والمسلمين بعضهم ببعض  .. الشيخ مصطفى القاياتي أحد علماء الأزهر الأجلاء ( 1879 - 1927 ) عندما استشعر مخاطر تفتيت الجماعة الوطنية المصرية ذهب في مايو 1922 الى الكنيسة البطرسية وخطب أمام خمسمائة من القبط وهو يقسم بالله « اذا كان الاستقلال سيؤدي الى فصم اتحادنا فلعنة الله على هذا الاستقلال » - وقريبا من الكنيسة البطرسية يخطب القمص مرقس سرجيوس من فوق منبر الأزهر ويقول « اذا كان الانجليز يتمسكون ببقائهم في مصر بحجة حماية القبط - فليمت القبط ويحيا المسلمون أحرارا ».. هذه التجليات الوطنية من المفترض أن نتعلم منها ونفهم  أن أعظم غايات ثورة 19 التي ناضل من أجلها  سعد زغلول ورفاقه لم تكن إلغاء الحماية الانجليزية عام 1922 ولا  صدور دستور 1923 وانما ترسيخ  وعى الجماعة المصرية الجديد بأن مصر لكل المصريين والوطنية هي الدين الجامع لكل العقائد على أرضية من التسامح العظيم.. هذه القيم والمباديء التي دافعت عنها ثورة 19 هي بذاتها التي تحتاج منا اليوم أن نتأملها لندرك مقدار هجرنا لها وقربنا من حدود الفرقة والنار والدم.. الوفد الذي تشكل للتفاوض من أجل طلب الاستقلال بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918 لم يكن يضم شخصيات قبطية، وقابل كل من فخرى عبد النور وويصا واصف وتوفيق اندراوس - قابلوا سعد زغلول وعرضوا عليه فكرة ضم شخصيات قبطية للوفد ورحب سعد بالفكرة وتم اختيار واصف بطرس غالى وسينوت حنا وجورج خياط وحلفوا اليمين يوم 2 ديسمبر 1918.. سعد زغلول لم يتقبل فكرة توسيع قاعدة الوفد المفاوض كنوع من الدهاء السياسي الذى يواجه به مكر الانجليز وخططهم الخبيثة لكسر شوكة الجماعة الوطنية المصرية، ولكن الأهم أن سعد زغلول -  تلميذ الشيخ محمد عبده بكل تحضره - كان مستنيرا ومؤمنا بما أقدم عليه.. ومن ابداعات ثورة 19 تعيين «مرقس حنا » وكيلا للجنة المركزية للوفد بمصر في نوفمبر 1919 ردا على تعيين الانجليز والقصر ليوسف وهبي رئيسا قبطيا للوزارة المعادية للوفد - ومن المفارقات ذات الدلالات الوطنية عميقة المعنى أن رئيس الوزراء القبطى يوسف باشا وهبى المعادى لثورة 19 والقريب من خطط الانجليز تعرض لمحاولة اغتيال بقنبلتين أمام مقهى ريش بشارع سليمان باشا على يد طالب الطب القبطى « عريان يوسف سعد  » الذي اعترف بمحاولة الاغتيال وقال إنه كان يدافع عن قضية وطنية  سيظل مؤمنا بها وحكم عليه بالسجن لعشر سنوات.. ومن تجليات ثورة 19 التي بقيت بتأثيراتها في حياتنا حتى اليوم وستبقى طويلا - تفريخ هذا الجيل العبقري من الأدباء والمفكرين والفنانين والعلماء الذين أضاءت الثورة وعبقرية حركتها نفوسهم وعقولهم وألهمتهم هذا الانتاج البديع والعظيم من الأعمال التي كلما انزلقنا نحو منخفض تاريخي وحضاري تذكرنا أننا يوما ما كنا كبارا بحق.. هناك ألف سبب لأن تحتفل مصر الدولة وعلى أعلى مستوى ابتداء من 9 مارس القادم وحتى نهاية العام بثورة 19 وأن تشكل لجنة من الآن لوضع تصوراتها حول مظاهر وتجليات هذه المناسبة وكيف نحولها إلى فرصة للتعرف بهدوء على أنفسنا وهويتنا من جديد.