رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مذكرات ابن الولد الشقى يكتبها:

لم تنقطع وفود المهنئين للسعدنى بالعودة إلى أرض الوطن، لدرجة أنه لم يعد يجد وقتًا للخروج من المنزل، وذات يوم اضطر إلى الاستئذان فى الانصراف لزيارة جده الشيخ خليل معوض فى المنوفية، وصحبنا العم صلاح فى سيارته الفولفو واتجهنا نحو مركز الباجور كفر القرنين، وهو المكان الذى شهد مسقط رأس السعدنى فى منزل يطل على الرياح، وهو مكان ظل بالنسبة للسعدنى أثيرًا لديه عزيزًا على نفسه ليس باعتباره المكان الذى شهد مولده، ولكن لأنه أيضاً يطل على بيت جده الشيخ خليل معوض الذى عشقه السعدنى وهو طفل صغير، وكان يصحبه معه فى كل إجازة دراسية إلى أسواق القرية وإلى بيوت الكبار، فيها حيث كان الشيخ خليل أحد هؤلاء الكبار بهيئته وحكمته وحسن تعليمه واطلاعه الدينى، وكان الشيخ خليل يخشى على السعدنى ويعشقه تمامًا مثل أولاده، وكان السعدنى يحب البلبطة فى الطين، خصوصًا فى تلك الأيام التى كانوا يسدون فيها الترع من أجل اصطياد السمك، وقد كانت ترعة سبك فيها من الطين أكثر مما بها من المياه، فقد حرص الشيخ خليل على أن يربط السعدنى بحبل يشده الشيخ خليل من أعلى الشاطئ.. وكان السعدنى طوال الطريق إلى المنوفية يتذكر هذه الأيام مع جده، ولم يكن يقطع حبل الذكريات سوى سؤال عن كوبرى جديد أو بلد أنبتته الأرض ولم يكن موجودًا قبل سفره أو منفاه خارج الديار، وكان العم صلاح يعرف الطريق ويلم بالأمكنة كما أعلم أنا اللغة اليابانية وألم بقواعدها، ولذلك فقد كانت الأجوية كلها موجودة عند الحاج إبراهيم نافع الذى يعتبر موسوعة فى البلدان ومعرفة العائلات والعمد، وكان العم إبراهيم يشرح طوال الطريق الأحوال التى استجدت والبلدان التى قامت والأماكن التى ضموها إلى المحافظات، وينقل للسعدنى غضب الناس لانضمامهم إلى المحافظة الفلانية وعدم انضمامهم إلى المحافظة العلانية والسعدنى يستمع وكأنه سائح قادم من بلاد بره.. وبالطبع كنت فى نفس الموقف، ولكن فجأة توقف صلاح على جانب أحد الطرق وتجمعت أسراب من الأطفال تحولوا إلى جيوش جرارة بعد قليل وهم يهتفون «بابا عبده» فى البداية لم أفهم معنى ما يقولون، تصورت أنهم تعرفوا على السعدنى الكبير ولكن أخطأوا فى الاسم، ثم أدركت بعد قليل أنهم ينادون صلاح باسم المسلسل الذى أذيع له وهو «بابا عبده» والذى لعب فيه دور البطولة العبقرى عبدالمنعم مدبولى.

ولم نستطع أن نتحرك بعد ذلك على الإطلاق ولكن الدهشة كست ملامح السعدنى الكبير والغبطة امتلأ بها قلبه، فقد نزحنا من بلادنا وهاجرنا إلى خارج الحدود، ولم يكن للعم صلاح كل هذه الشعبية، وعندما عدنا لم نستطع أن نتحرك بالسيارة من الزفة التى رافقتنا حتى بتنا نسير بسرعة السلحفاة، وتمكنا خلال ساعتين من قطع بضعة كيلومترات حتى وصلنا إلى بيت الشيخ خليل معوض.. ونزل السعدنى وهو غير مصدق أنه سيرى مرة أخرى الرجل الذى جلس على عرش قلبه ولم يبارحه ذات يوم بل لم ينافسه أحد على الإطلاق فى الجلوس على عرش قلب السعدنى.. وبخطوات تكاد تفضح الخوف والرهبة والشوق والشبق كان السعدنى يقطع الطريق إلى دار الشيخ خليل وهو ينظر فى الأرض حتى لا يرى أحد لمعة عينيه بفضل دمعات حاول السعدنى أن يسيطر عليها وأن يحبسها فى مآقيها حتى طلعت علينا زوجة جدى الحاجة أم وفاء، وأطلقت الزغاريد ومضت بنا إلى حيث يرقد الشيخ خليل فوق سريره المعدنى العالى الذى تزينه أربع عرائس فوق أربعة أعمدة.. ومن شدة العناق بين الجد والحفيد كاد السرير الحديدى أن يتفكك، وبكى الحاج إبراهيم من شدة التأثر، فقد كان الشيخ يضم السعدنى إلى صدره وهو يبكى والدموع تنهال من عينيه على لحيته البيضاء ثم يبعد السعدنى عنه ويمسك برأسه بين يديه وهو يقول: معقول ده.. محمود عندي.. محمود فى حضني.. إزيك يا وله.. ثم يعود يضمه وهو يبكى ويهتز من شدة الفرحة، كان الشيخ خليل هو المواطن الوحيد على وجه الأرض هو والرئيس السادات الذى كان ينادى السعدنى بلقب.. وله.. ثم أمسك الشيخ خليل بيد السعدنى وحاول أن يقبلها، ولكن السعدنى كان أسرع منه بفعل الشيء نفسه وبعد فترة طويلة من الزمان نظر الشيخ خليل إلى صلاح ثم إلى الحاج إبراهيم ثم إلى شخصى الضعيف وهو يقول.. مين دول.. أصحابك؟! بالطبع ضحكت من أعماق القلب.. فنظر إلى الشخ خليل وهو يقول مين الوله اللى بيضحك قوى ده؟! فأجابه الشيخ إبراهيم نافع.. ده أكرم فأجابه الشيخ خليل.. أكرم مين؟! هنا أحسست بالحزن يغلف قلبى، فقد كنت أنا الآخر فى لهفة لرؤية الشيخ خليل الذى عشقته من كثرة ما تحدث عنه السعدنى لنا.. ونحن أطفال صغار، فقد كانت أجمل أيامنا تلك التى يصحبنا فيها السعدنى إلى البلد وكان البلد ما هو إلا الشيخ خليل وأولاده وأحفاده، ولكن ومع شديد الأسف الشيخ خليل لم يعرفنى.. وجدته يسأل العم إبراهيم.. انت بتقول ده أكرم.. أكرم مين؟! فأجابه الحاج إبراهيم ده أكرم ابن محمود.. فيعود الشيخ ليسأل.. محمود مين.. فيجيب العم إبراهيم محمود.. ده! فأشار الشيخ خليل إلى السعدنى الكبير قائلاً: محمود... ده!

فقال الحاج إبراهيم أى نعم.. فيعود الشيخ ليسأل.. الله.. هو أنت اتجوزت يا وله يا محمود.. ولأول مرة يضحك السعدنى من أعماق القلب ونحن معه.. ويقول.. أنت نسيت الواد أكرم.. فيهز الشيخ خليل رأسه ويقول: أنا مش فاكر يا وله إنك اتجوزت خالص.. ثم يشير إلى صلاح ويقول مين ده؟ فيقول السعدنى: ده صلاح اخويا الصغير.. ويسأل الشيخ: صلاح مين؟.. فيقول له السعدنى.. ده صلاح السعدنى اللى بيمثل وهنا يشيح الشيخ خليل بكلتا يديه وهو يقول.. أيوه أيوه.. الوله صلاح اللى فاضحنا فى كل حته.. يا اخويا كل ما افتح قناة ألاقيه.. ويرد الحاج إبراهيم.. آه فاضحنا فى كل تليفزيون والله يا عم الشيخ.. وأدرك السعدنى ساعتها أن الشيخ خليل فقد الكثير من حيويته والأكثر من ذاكرته، ولكنه كان سعيدًا للغاية أن ما تبقى من الذاكرة يحتل فيها السعدنى الكبير الشيء الكثير، ولكن هذه الرحلة أثبتت للسعدنى أن الأخ والشقيق بل الابن صلاح فقد كان محمود السعدنى يعتبر صلاح هو ابنه الأول لأن الفارق السنى بينهما يزيد بقليل على ستة عشر عامًا.. أقول: إن هذه الرحلة أدخلت الطمأنينة فى قلب السعدنى تجاه صلاح واكتشف أن صلاح أصبح نجمًا كبيرًا وأن له معجبين ربما بالآلاف والملايين، ولذلك فإن السعدنى لم يلجأ إلى صلاح كلما أراد الذهاب للقاء الأصدقاء، خصوصًا أن الجموع تحتشد وتعطل المسيرة.. ولجأ السعدنى إلى العم إبراهيم من أجل اللف والدوران فى ربوع مصر التى بات على السعدنى أن يلفها كعب داير من أجل السلام على الأحبة والخلان، وجاء العم إبراهيم بسيارة اسمها نيفة روسية الصنع، كان الاتجاه هذه المرة جنوبًا نحو البدرشين وبالتحديد فى منطقة العجيزية حيث الحاج توفيق أبو ترك وهو أقرب أصدقاء السعدنى والذى ما أن شاهده إلا وركض وهرول وصاح وصرخ لدرجة أن أقاربه جميعًا جاءوا يحملون الأسلحة النارية الآلية ظنًا منه أن السعدنى جاء يحمل شراً أو يطلب ثأرًا، وعندما علموا الحقيقة استخدموا نفس الأسلحة فى التعبير عن فرحهم وذبحو الذبائح وأقاموا للسعدنى وليمة لم تحدث من قبل، وكان مع السعدنى فى تلك الزيارة الخال عبدالرحمن شوقى وعمنا الروائى الكبير خيرى شلبى رحمهما الله الذى جلس وسط الفلاحين يحكى لهم عن عظماء الشعراء الذين تغنوا بمصر..