عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

 

أخيرا يمكن لأنصار الديكتاتورية في مختلف أنحاء العالم أن يناموا قريري العين وأن يشعروا بأن لهم الحق في الفخر، ذلك أن نظام الحكم الديكتاتوري الذي طالما نسبت له كل السوءات ثبت بالدليل الساطع أنه ليس كذلك، على العكس فقد يمكنه أن يحقق ما لم تنجح فيه النظم التي رفعت راية مغايرة مضادة.

ليس ذلك لمؤشرات فشل حكم الديمقراطية على نحو ما بدا في أحداث فرنسا الأخيرة والتي تتواصل فصولها حتى اللحظة وإن كانت هذه الأحداث يمكن أن تؤخذ مؤشرا، وليس ذلك أيضا لما كشفته التطورات في الولايات المتحدة عن أن الديمقراطية أتت برئيس يحظى برفض عام داخلي وخارجي، على خلاف ما تفترضه قواعد هذا النظام، ولا يرجع الأمر كذلك لحقيقة أن العالم بالنسبة لمعظم تاريخ البشرية عاش تحت حكم الديكتاتورية، وإنما لأن دراسة يفترض أنها رصينة وقائمة على أسس علمية أثبتت أن نظام الحكم الديكتاتوري ربما ينجح بشكل يتجاوز نظيره الديمقراطي في توفير الأسس لحياة اقتصادية أفضل!

وإذا كان الاقتصاد هو الذي يحرك البشرية، باعتبار أن الإنسان يبغي توفير الخبز قبل الحرية في كثير من الأحيان، فربما يمثل ما تذهب إليه تلك الدراسة التي أعدها الكاتب رونالد وينتروب في كتاب تحت عنوان « الاقتصاد السياسي للديكتاتورية»  صدرت مؤخرا الترجمة العربية له عن المركز القومي للترجمة للمترجمين جلال البنا وإبراهيم أحمد إبراهيم، نقطة تحول في النظر للديكتاتورية، على النحو الذي قد تفرط معه في التفاؤل فتتصور أن العالم قد يشهد تحركات جماهيرية تطالب بحكم ديكتاتوري بدلا من تلك التي شهدها العالم في مرحلة من مراحل تطوره – النصف الثاني من القرن العشرين وحتى الآن – تطالب بإقامة أنظمة حكم ديمقراطية!.

ويمثل الإسهام المتميز الذي قدمه مركز الترجمة من خلال إصدار هذا الكتاب إضافة مهمة للمكتبة العربية حيث يمكن اعتباره دراسة وافية موسوعية لقضية أنظمة الحكم الديكتاتورية وتحليل أسس قيامها وأنواعها. ويشير المؤلف في معرض تناوله للفرضية الأساسية محل عنوان كتابه مثلا إلى أنه رغم أن الأداء الاقتصادي للولايات المتحدة كان جيدا، فإنه لم يكن منافسًا لأداء كوريا الجنوبية أو الصين في خلال السنوات العشر الأخيرة.

 وعن تفسير الأداء غير العادي من حيث معدلات النمو في هذه البلاد التي تخضع لأنظمة حكم ديكتاتورية، يشير المؤلف إلى أنه يلاحظ أن المجتمعات التي تخضع للانضباط والتنظيم فإن مكان العمل في هذه المجتمعات يتصف بتلاحم الجماعة أو المقدرة على الولاء للمجموعة وهو ما لا يستطيعه المواطنون في البلاد الديمقراطية العمل بها، مما يساعد على تحقيق مستويات من الأداء الاقتصادي قد يكون ببساطة مستحيلا في البلاد الديمقراطية.

بالطبع هذا التناول يمثل جانبا مما يسعى الكتاب للإشارة إليه وليس كله بالطبع، وإلا لكنا نزيف رؤية المؤلف ونحرفها عن مسارها، والذي يقدم على مدى صفحات الكتاب مساوئ وسلبيات النظم الديكتاتورية وفق الرؤية الغربية لها. وعلى سبيل المثال فإن المؤلف في سياق استعراضه للنظم الاقتصادية الديكتاتورية يراها لا تخرج عن أربعة هي ما يسميه حكومة اللصوص، والديكتاتورية التسلطية الرأسمالية التي تقوم على طمس إعادة التوزيع ، واقتصاد الأوامر، واقتصاد الظل.

وحتى يخرج المؤلف من دائرة الكتابة النظرية الخالصة فإنه يستعين بتجارب عملية مثل النازية الألمانية، والحكم الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق، ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ونظام بينوشيه في تشيلي، والإمبراطورية الرومانية القديمة وبعض الأنظمة الأخرى مثل نظام موبوتو في زائير وهايتي تحت نظام البابا الدكتور دوفالييه والصين المعاصرة، ونظام صدام حسين. 

ليس في هذه السطور محاولة لتزيين نظم الحكم الديكتاتورية وإنما الإشارة إلى أن الحقيقة، مهما ساد اتفاق بشأنها في النهاية نسبية، فالديمقراطية التي نرفع لها القبعة في العصر الحالي، كان عبقريا مثل دانتي يعتبرها نوعًا من حكم الرعاع وتعبر عن نظم حكم معوجة، والضربات التي تتلقاها الديمقراطية في معقلها الغربي حاليا ربما تشير إلى أنها ليست نهاية التاريخ كما راح يوهمنا مفكر مثل فوكوياما، مما قد يعني أن البشرية ستظل في حالة بحث دائم عن نظام الحكم الذي يناسبها والذي يتغير بتغير الزمن!!