رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

وسط هذا الاحتفاء والدموع التى تذرف من بعض البلاد العربية على وفاة جورج بوش الأب، وبعيدا عن السقوط فى براثن عدم الوقوف احتراماً للموت، إلا أننا يجب عدم خلط الأوراق وتحويله إلى ملاك، خاصة أن أبسط ما يكشف شخصيته هى عباراته الخطابية التى تشبه عقليات الكهنة فى العصور الوسطى، وأخطر ما فيها أنها كانت تمثل فكرة: «القوة العسكرية للولايات المتحدة هى الضامن الأكيد لقدرتها على فرض ما تراه - وما تراه فقط - على العالم».

لهذا فأنا ما زلت أرى أنه كان هناك تخطيط لحرب الخليج الثانية لعام 1991، وأن أمريكا دفعت صدام بعدة طرق لغزو الكويت، ومما يؤكد ذلك أنه فى خريف عام 1990 كانت هناك حلقة دراسية فى جامعة بواشنطن، طُلب فيها من الطلاب جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن المبانى فى العراق من قصور ومنازل ومتاحف وغيرها. وقيل لهم إن عملهم بمثابة محاولة للتوثيق والمساعدة فى الحفاظ على الهندسة المعمارية التى ربما تضيع قريباً فى التاريخ بسبب الحرب الوشيكة، بينما كانت القوات الأمريكية تتجمع فى الخليج العربى، هذه الدورة التعليمية كانت جزءاً من عملية تجريبية لجمع المعلومات الاستخباراتية الأمريكية لذلك عندما بدأت عملية عاصفة الصحراء فى يناير 1991، كان لدى أمريكا كل المعلومات عن العراق واستكملت خطتها بعد ذلك من خلال جورج بوش الابن.

لقد كانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية تراقب صدام حسين وهو يحشد قواته على طول الحدود العراقية مع الكويت، وأعتقد أن أمريكا استفادت جيداً من معلومة أن العراق كان بحاجة ماسة لارتفاع أسعار النفط، نظراً للتكلفة الهائلة لحرب دامت عشر سنوات مع إيران، بالإضافة إلى طموحات صدام نفسه لتحقيق هيمنة إقليمية. وانساق صدام نحو الهاوية واحتل الكويت، وبذلك دخلت القوات الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية، وفرضت العقوبات الاقتصادية وجمدت أصول كل من العراق والكويت، بل ونشرت خلال عملية درع الصحراء، نحو نصف المليون جندى أمريكى فى المنطقة فى إطار تحالف دولى كبير، وانتهت حرب الخليج الثانية بكلفة قليلة بالنسبة للولايات المتحدة نتيجة للتبرعات من دول الخليج واليابان.

بل إن التعددية، ودعم مجلس الأمن الدولى، مكّن بوش الأب من توليد الدعم السياسى داخل الولايات المتحدة وحول العالم، ومنح مصدراً للشرعية لا تحصل عليه الولايات المتحدة عندما تتحرك وحدها، وبالطبع الانتصار العسكرى الأحادى فى حرب الخليج الثانية، أقنع الآخرين بتجنب المواجهات فى معارك تقليدية مع الولايات المتحدة، ومن منطلق أنه لا ينظم العالم نفسه ذاتياً، ولا توجد يد خفية تخلق النظام فى السوق الجيوسياسى، لذلك أثبتت حرب الخليج أن اليد المرئية للولايات المتحدة هى التى حشدت التحرك العالمى، وللأسف أن قائمة الأضرار التى أصابت العراق وكل البلاد العربية كانت هائلة، ولم يكن الغزو خطأ انتهى بانسحاب القوات العراقية، بل كان تمهيداً مجانياً لشرعنة كل الجرائم التالية التى حلت بالشعب العراقى، فمن قصف الجنود الجياع المنسحبين بطريق البصرة «طريق الموت» ودفن أعدادهم الكبيرة بالبلدوزرات، ففى ستة أسابيع، أسقط التحالف المكون من 39 دولة، أكثر من ضعف عدد القنابل الموجهة بالليزر التى تم إطلاقها فوق فيتنام الشمالية فى تسعة أشهر، إلى الحصار، على مدى 13 عاماً، الذى جعل المواطن العراقى ظلاً لما كان عليه قبل التجويع المنهجى، إلى القصف الدورى بحجة «احتواء» النظام، إلى حرق النساء والأطفال وهم أحياء فى ملجأ العامرية.