عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

نقد العقل أصبح من المفاهيم المستقرة فى الفكر الإنساني، دشنه كانط فى القرن الثامن عشر فى كتابين له هما نقد العقل الخالص، ونقد العقل العملي، واستخدمه جان بول سارتر بعد ذلك فى كتاب له بعنوان نقد العقل الجدلي. وأما فى فضائنا العربى فقد ثبت أركان المفهوم المفكر المغربى الراحل محمد عابد الجابرى من خلال مشروعه الفكرى الذى حمل عنوان «نقد العقل العربي». وتبعه المفكر محمد أركون فى محاولة التأسيس لمشروع فكرى مغاير محوره «نقد العقل الإسلامي».

ويتمحور مفهوم نقد العقل حول الأسس المعرفية التى يقيم عليها العقل فى رؤيته للعالم، وعلى هذه الخلفية يأتى تناولنا لما نسميه بنقد العقل العلمانى العربي. ذلك أن المتابع لما يقدمه مجموعة مما يمكن أن تعتبرهم رواد العلمانية فى مصر بالتحديد يشير إلى مشكلة تتعلق بنمط تناولهم لمجموع القضايا التى تدخل فى إطار تناولهم وفى القلب منها الموقف من الدين. ورغم الخفة التى تبدو من إمكانية تناول هذه القضية.. نقد العلمانى العربى فى سطور محدودة، إلا أن ذلك ليس إلا بذرة يمكن أن تكون مشروعا بحثيا للمهتمين بهذا الجانب.

إن أول تهمة يشهرها هؤلاء هى النعى على العالم العربى والإسلامى تخلفه عن مسايرة ركب تطور الفكر الحاصل فى الغرب. وإذا افترضنا أن هذا الغرب يعتبر المؤشر الذى يمكن على أساسه قياس تطور الفكر، فإن المفارقة تشير إلى أن هؤلاء أيضا يعانون من الإشكالية ذاتها وهى التخلف عن الفكر الغربى فى مجالهم.

إن نظرة على الأسس التى تحكم مجموعة غير محدودة من العلمانيين المصريين والعرب تشير إلى أنهم ما زالوا أسرى الرؤية العلمانية التى سادت فى عصر الأنوار منذ أكثر من ثلاثة قرون، دون أن يتزحزحوا كثيرا فى محاولة لمواكبة ما قدمه الفكر الإنسانى فى مسيرة تطوره مسايرة لتطور أحوال البشرية غير الثابتة. ولعل متابعة ما يقدمه الممثلون التقليديون للعلمانية فى مصروعلى رأسهم الدكتور مراد وهبة وأحمد عبد المعطى حجازى إلى جانب جابر عصفور تعزز هذه الفرضية، على نحو يذكرنا بما أشار إليه الكاتب العلمى الأمريكى جون بروكمان فى قوله إن المثقفين الأمريكيين التقليديين أصبحوا الآن بأحد المعانى يتزايدون فى رجعيتهم، ولعل ذلك هو الواقع الحال عندنا كذلك.

يلحظ المتتبع لكتابات هؤلاء الرواد الثلاثة وهم من جيل واحد تقريبا ويطلون على القارئ من منبر أساسى واحد تقريبا، موقفهم الحاد فى النظرة إلى الدين، تكاد تصل إلى حد العمل على نفيه وإدخاله ضمن دائرة اللا مفكر فيه.

ويأتى الرد على هذه الرؤية انطلاقا من ثلاثة جوانب الأول يتعلق بحالة الدين فى العالم الحديث وهو حال يفند دعوى نفيه وإخراجه من الحياة العامة إلى دائرة علاقة خاصة بين الفرد وربه.

وحسبما يذهب مؤلف كتاب الأديان العامة فى العالم الحديث فإن هناك من التطورات فى عالمنا الحديث ما أضفى على الدين ذلك الرواج العالمى الذى حتم اعادة تقويم موقعه ودوره فى المجتمع الحديث. وكما يضيف فإن الجديد المباغت فى الثمانينات (وما بعدها) يتمثل فى قيام التقاليد الدينية باستعادة دورها فى الشأن العام وتطويره وهى التقاليد الدينية نفسها التى افترضت نظريات العلمنة والنظريات الدورية للإحياء الدينى أنها قد أصبحت هامشية وغير ذات شأن فى العالم الحديث. على نحو ينتهى معه إلى التأكيد على أن التقاليد الدينية عبر العالم باتت ترفض القبول بالدور الهامشى والمخصص الذى حددته لها نظريات الحداثة وكذلك نظريات العلمنة.

من ناحية ثانية فإن هذا التطور إنما يفند نظرية العلمنة التى تنطلق من ادعاء لا اساس له من الصحة ينطلق من أن سيرورة العلمنة أفول تدريجى للمعتقدات والممارسات الدينية فى العالم الحديث. وهو ما يعنى أن مقولة العلمنة لم تخضع لدراسة رصينة بل وحسب البعض لم يحدث أن صيغت صياغة صريحة منهجية. وهو ما دفع مفكرين غربيين معاصرين إلى اعادة التفكير فى نظريات العلمنة الحالية واعادة صياغتها ولكن من دون التخلى عنها.

من ناحية ثالثة، فإنه رغم الثمار الإيجابية لعملية التنوير، إلا أن العلمانيين العرب ينظرون إليها بحالة أقرب إلى الانبهار، يغيب عنها الموقف النقدى خاصة على ضوء ما أفرزته من بعض السلبيات فى التطبيق. وفى ذلك نشير إلى ما ذهب إليه الفيلسوف الألمانى المعاصر هابرماس من أن عملية التنوير التى كان من المفترض أن تفك أسر الإنسان من الطبيعة وتفضى إلى حريته وازدهاره أتت بنتائج عكسية وبدلا من الرخاء الاقتصادى شاع الشقاء والفقر وبدلا من التقدم الأخلاقى حدثت انتكاسة إلى البربرية والعنف والتعصب.

بل إن مفكرا مثل كارل بوبر ورغم تعضيده أفكار التنوير إلا أنه يؤكد شعوره بضرورة أن يؤكد أن هذه الأفكار وأفكار العقلانية أدت إلى أوخم العواقب. قد لا يعنى ذلك بالطبع إفلاس العلمانية، غير أنه يعنى وجوب ترشيد سلوك المؤمنين بها، حتى لا يكون أنصارها، رغم وقارهم العلمي، أقرب إلى طبيعة خصومهم الذين ينالون منهم ليل نهار التى لا تخلو من نزعة تطرف يغيب عنها العقل.. اللواء الذى يرفعه العلمانيون فى كل مكان!

[email protected]