عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

بدا لى الأمر مفاجئًا ومثيرًا للدهشة والاستغراب في آن واحد، إلى حد أنني فركت عيني أكثر من مرة لكي أتيقن من أنني لست في حالة حلم. ورغم أنني أترك قراءة ما يكتبه في جريدة الأهرام أسبوعيًّا إلى النهاية لكي أتفرغ للتمعن فيما يقول، إلا أنني وجدت نفسي في لهفة لمتابعة رأيه.

إنه الدكتور مراد وهبة المفكر الكبير والذي يمكن إدراجه من فرط إيمانه وكتاباته واهتمامه بقضية العلمانية، فضلا عن سنه، باعتباره شيخ العلمانيين المصريين. إن الرجل لا يكل ولا يمل من الكتابة في القضية التي نذر لها نفسه وهي تسويق العلمانية ومن هنا فإنه خصص لها من بين مجالات الكتابة عنها مقاله الأسبوعي المشار إليه حتى أن الأخير منها يعتبر رقم 256 في تلك السلسلة والتي تعرض لما يراه «رؤيته» للقرن الحادي والعشرين!!

المهم أنه في مقاله الأخير الثلاثاء الماضى بالأهرام والذي جاء بعنوان «خاشقجي والعلمانية»، أتى المفكر الكبير بما أراه لا يجب أن يمر مرور الكرام، في ضوء خصوصية موقفه وعقلانيته وتنويره!!. الغريب أن أكثر من نصف المقال انصرف إلى خواطر ذاتية مكررة ذكرها الدكتور مراد في أكثر من موضع، ولا يفتأ يذكرها في كل مناسبة، عن بدايات اهتمامه بالعلمانية، وهو اهتمام يعود إلى أكثر من أربعين عامًا.

وقد وصل الشعور بالغرابة إلى كاتب المقال الدكتور وهبة نفسه ، وتخيل هو أن القارئ يسأله وماذا بعد أو هات ما عندك؟ فراح يقول إن كل ما سبق هو تمهيد لفهم ما يدور في عقل الصحفي جمال خاشقجي الذي قتل في قنصلية بلاده باسطنبول الشهر الماضي.

ليس الأمر هنا فتحًا للقضية مرة أخرى من ناحيتنا وإنما هو مجرد مناقشة للسياق الذي وردت في إطاره في مقال الدكتور وهبة ، بما تحمله من دلالات، على نمط التفكير العلماني العربي نراها بالغة الأهمية سنتناولها في مقال قادم إن شاء الله.

لسنا هنا في وارد الحديث عن البعد السياسي للقضية باعتبار أننا نسعى لأن ننأى بأنفسنا عمن حاول استغلالها لأسباب خاصة به سواء على المستوى الدولي أو حتى المجتمعي، غير أن الكافة – الكارهون لخاشقجي قبل المحبين له - اتفقوا على أنها جريمة قتل منكرة يجب أن يدان ويحاكم من قام بها. الجديد هنا أن الدكتور وهبة يحاول أن يقدم رؤية أخرى تمثل ما يمكن اعتباره تصريحًا بالقتل، على نحو يمكن أن يعتبره البعض معها بمثابة الذراع الفكرية للجريمة، على شاكلة من اعتبر الشيخ محمد الغزالي الذراع الفكرية لاغتيال الدكتور فرج فودة.

يعلق الدكتور مراد لا فض فوه، على مقال لخاشقجي، وهو حر في ذلك، على ذات النحو من الحرية الذي نعطيه لأنفسنا في التعليق على مقاله، نشره في جريدة الحياة اللندنية تحت عنوان «دكان العلمانية الخطر»، على نحو يوحي لك بخطورة ما قام به خاشقجي من الاقتراب من قدس الأقداس لدى وهبة. نفهم من الدكتور وهبة استنكاره لرؤية خاشقجي الرافضة لأن تسلك بعض دول الخليج الخطى نحو مستقبل علماني.

إلى هنا والنقاش يبدو فكريًّا بحتًا ويثري هذه المنطقة المثيرة للجدل بشأن العلاقة بين العلمانية والدين. غير أن الدكتور وهبة يقفز قفزة في المجهول حول دلالة ما كتبه خاشقجي مستنتجًا أنها تعني أن عقل صاحبها عقل أصولي .. وإذا كان الإرهاب هو أعلى مراحل الأصولية الدينية – حسب تعبيره – فالأصولي عندئذ يكون إرهابيًّا! مختتمًا مقاله بالتساؤل حول ما العمل مع هؤلاء الأصوليين – الذين هم إرهابيون في عبارة سابقة – من أمثال خاشقجي؟ هنا يتوقف الدكتور وهبة عن الكلام المباح ليترك لعقل القارئ الكلام غير المباح وهو أن العمل مع هؤلاء هو القتل!!

لسنا في وارد الدفاع عن أحد، وقد أصبح خاشقجي في ذمة الله، غير أن اتهامه بالإرهاب نعتقد أنها مسألة ليس فيها نظر، بمعنى أنها غير واردة ، فقد كان حتى فترة غير بعيدة مقربًا من الدوائر الحاكمة لبلده وهي لا يمكن أن تقبل عقلا التقرب من إرهابي. كما كان يكتب في الواشنطن بوست الأمريكية ويعيش هناك، وهو ما ينفي عنه – ولو فرضًا – تهمة الإرهاب. أما مواقفه السياسية فلنا أن ننتقده بشأنها ما أتيح لنا ذلك حتى لو واصلنا ما بين الليل والنهار!

الخطورة فيما ذهب إليه الدكتور وهبة هو أنه يمكن أن يمثل الأساس النظري للتخلص من الخصوم المخالفين للفكر الذي يمثله، فيما يمكن أن يعكس وجهًا قبيحًا غير مألوف للعلمانية، وهو وجه لا يختلف كثيرًا عن الفاشية الدينية التي يحاربها الدكتور وهبة .. وذلك أمر لو تعلمون خطير!!

[email protected]