عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

لا جثث للشعراء، لا مقابر لمبدعى الكتابة. حيواتهم ثنائية وممتدة بعد رحيل أجسادهم. يبقون فى الكون معنى جميل، وصورة مُبهرة، وتركيبات بليغة آثرة ساحرة خالدة عبر الزمن.

هل غاب عنا حقاً محمود درويش؟ هل رحل نزار قبانى؟ هل دفنّا نجيب محفوظ؟

لا أظن وهذا عزائى وعزاء الكتبة فى كل أنحاء العالم الذين غالباً تنظر لهم السلطة باحتقار، ويتهمهم العامة بخراب العقول، ويتشكك فى نواياهم رجال الدين ومحتكرو الحديث باسم السماء.

سيقول البعض لم يعد هناك قراء. انصرف الناس عن قراءة القصة والشعر والمقال وانشغلوا باسكتشات مصورة تكسر ملل أيامهم.

سيستصغر البعض قامات وقيم تحمل الأقلام ولم يعد لها تأثير مباشر فى الناس مثلما يؤثر خطيب مسجد غليظ الصوت يتعمد لصب اللعنات والسخرية من خلق الله.

سيردد كثيرون: ما جدوى الكتابة؟ وما جدوى الفن؟ وما أهمية الإبداع؟ وهل سيوفر لنا وظائف نعيش منها؟ وهل سيتيح لنا سلع رخيصة ودواء مناسب وحلول لمشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية؟

سيكررون مندهشين منا: لم تكتبون والقبح لا يتوارى؟ ولم تقتلون أوقاتكم فى رسم حلم أو طرح أمنية أو حكى خيال أو لملمة كلمات ومعان بلا طائل؟ فالظلم يتمدد، والفساد يتسع، ومساحات الحرية تضيق، والنبل يتضاءل.

ما جدوى الكتابة فى مجتمعات غائبة فى النعاس، والدعة والكسل؟ ما جدوى الصحف والمسرحيات ودواوين الشعر والروايات وكتب التاريخ وأدب الرحلات فى أمم عشش الفقر فيها واستوطن الجهل أنحاءها فلم تعد تكترث أيهما أشهر سما المصرى أم حاتم زغلول (مخترع الواى فاى) وأيهما أكثر أهمية بهاء طاهر أم رامز جلال؟

لم تكتب أيها الكاتب وهناك مّن يُسجن ويرفد ويُحاكم ويُكفر ويزدرى ويُراقب ويُبعد ويُمنع ويُتجنب ويُهمل ويُتجاهل ويُقتل فى بعض الأحيان بسبب حروف يديه؟

السر فى الموت. لا يموت الذين يكتبون. يموت رجال أعمال، ويرحل أصحاب نفوذ، ويغيب زعماء ووزراء، ويفنى طبالون ملأوا الأرض ضجيجاً، لكن صاحب الكلمة الساحرة يبقى ما بقيت كلماته.

مات هيردوت فى القرن الخامس قبل 2500 سنة ومازلنا نردد مقولته «مصر هبة النيل». رحل أبو الطيب المتنبى سنة 965 هجرى ولم ترحل أبياته لنكرر فى إعجاب «وعذلت أهل العشق حتى ذقته.. فعجبت كيف يموت مَن لم يعشق».

دُفن ابن رشد بعد رحلة عطاء عظيمة ولم تدفن عبارته الأثيرة «العلم فى الغربة وطن والجهل فى الوطن غربة».

لم يكن الجبرتى متيقناً أن ما يكتبه سيرى النور، وسيبقى إطلالة رئيسية على عهده بسبب إيمانه بكراهية محمد على للرأى الآخر والحقيقة.

لوركا ونيرودا وأمل دنقل منعت كتاباتهم سنين عدداً، لكنها خلدت رغم ذلك وبقت وسطعت كشمس حارقة.

قد يقل القراء وينصرف معظم الجمهور ويواجه الكاتب ما لا يواجهه غيره، لكن تبقى الكتابة فعلاً مجيداً، صلاة، سُكراً، مُتعة، ورسالة خالدة.

والله أعلم.

[email protected]