عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رادار

 

 

نعم.. أنه المطر الذى علَّمَنى الكثير.. أفْهَمنى ما هو أكثر!.

يوم كنت طفلاً تداعبنى زخّاته فى طريقى إلى مدرستى ذات صباح.. يوم توقّفَت درّاجتى عن الحركة لأبحث لها وأصدقاء طفولتى عن حل لنواصل مسيرتنا!.

يوم وضعت أمى «ورق جرايد» على صدرى، ليحمى جسدى النحيف من برد قارس.. يوم مددتُ يدى لأساعد شخصاً ما لا أعرفه تعثرت خطواته تحت المطر!.

يوم ارتميت طفلاً بين أحضان جدتى – رحمها الله -، لتشدو بصوتها الدافئ رائعة الشيخ إمام: «يا نطرة رُخِّى رُخِّى.. على شباك البت أختى.. والبت أختى سنيورة.. شاغلة الترتر على القورة والقورة صورة وبرواز حواليها التاج الهزاز.. وخدودها فرط الرمان ورموشها تفرش فدان».

يومها عَلَّمتنى جدتى -دون أن تدري- أن النَطَرَة – تقصد المطر- حياة، وهى تواصل الغناء للحفيد: يا نطرة يا بنت النيل.. شبابيِكنا بتطرح مواويل.. فى غيابك موسم واثنين.. نرويها بدموع العين».

يوم جلَسْتُ صغيراً على مقاعد الدراسة ومن حولى أصدقائى نداعب المطر بأيادٍ متشابكة تطلب الدفء، وآذان صاغية لصوت موسيقاه ولو من وراء نافذة!.

علَّمَنا المطر صغاراً لنحيا كباراً..

يوم أخبرنى طفلى الصغير «يس» ونحن فى الطريق إلى مدرسته فى سيارة خاصة تخيلها الصغير «غوّاصة»، يحيط بنا البرق والرعد والأمطار، أن رجلاً على الشاطئ - يقصد قارعة الطريق- يحترق أو يرقص من البرق!.. ظلّ «يس» يسألنى ويسألنى، حتى إننى قد سألت جوجل بحثاً عن إجابة صحيحة!.

يوم غنّت طفلة هنا وهناك بصوتٍ برىء أول أغنية بريئة فى حب المطر!.

يومها!.. سقطت أول زخّة مطر نرجوها بقوة، لأكتشف حينها أن المطر مثل العطر، ربما لا يُلبى كل الأذواق!.

هل التقيتَ طفلاً يشكو المطر؟

علَّمَنى الأطفال تحت المطر، كيف أستقبل الحياة بصدر رحب، تماماً مثلما اِستقبلَ كتفى أول نقطة مطر سكنَت فوقه دون سابق معرفة!.

علَّمَنى الأطفال والمطر معنى المتعة والمرح والسعادة!..

علَّمَنى الأطفال والمطر ألا أسأل: هل غداً إجازة رسمية لسوء أحوال الطقس؟!.

علَّمَنى المطر أن الفرق بين طقوس عشاق الحياة فى صحبته، وبين طقس أولئك الهاربين من الحياة بحجة المطر، مثل ربيع وخريف لا يلتقيان!.

علَّمَنى المطر أن أقتنص الصدفة التى تصنع الفرحة.. أن أبتسم وأداعب الطبيعة وأرسمها فى مخيلتى ولو فى بركة ماء، أن أحتفل وأغنى وأضحك وأتأمل وأستكشف وأفتش عن كلمات جدتى: «يا نطرة يا أم مرايه.. هاتوا عيون القمرايه.. ورخيهم قطرة قطرة.. فى عيون الحلوة الشاطرة»!.

علَّمَنى المطر أنها مهما أمطرت، ستمطر خيراً وعِلْماً وحياة تحيا بها الناس!.

علَّمَنى أن المغامرين الذين يحتفلون بالطبيعة أكثر سعادة من أولئك الذين يلعنون أفعال المطر!.

علًّمَنى المطر ألا أسأل السماء عن «إجازة» مطر!.. فالسماء التى اختارت أن تبعث إلينا بالذهب والفضة بصحبة المطر، بينما تبُث الحياة فى أهل الأرض، إنما تمنحنا فرصة جديدة من أجل حياة من ذهب!.

علّمَنى المطر أن أبقى حياً بقلبى بين أحضانه، أن أقف متلبساً بالدهشة من اللائى يصنعن صوراً «سوشياليّة» تبرز احتفالهن بالطقس الرائع بصحبة فنجان «كوفى لاتيه»، ويشترطن فى اللحظة ذاتها الإبقاء على شعار« يحفظ بعيداً عن متناول الأطفال»!.

علّمَنى المطر ألا أكون سبباً فى تعطيل السعادة وحرمان الأبناء من متعة عيش الحياة مع المطر بحجة الحفاظ على سلامتهم!.

علّمَنى المطر هذا الأسبوع أن فى الحياة أشياء يجب أن «تُحْفظ بعيداً عن متناول الكبار»!.

ويبقى السؤال: تخيل لو أنها أمطرت غداً.. هل تتمنى تعطيل الدراسة والحياة حفاظاً على سلامتك قبل أبنائك؟!

نبدأ من الأول

[email protected]