عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

‏ýفي بداية المرحلة الإعدادية، فوجئنا في مدينتي، في قلب الصعيد بافتتاح معهد أزهري.. وكان الاسم غريباً، يعني إيه معهد وأزهري كمان؟!.. ولم نعرف وقتها هل هو مدرسة أم جامع أو كُتّابْ مثل الذي في القرى.. وهل الذين يدرسون فيه طلاب أم شيوخ؟!..وكانت بدايته غريبة ومقلقة لقبولهم معظم الزملاء الذين كانوا معنا في الابتدائي وتعثروا فيها أكثر من مرة، وكذلك بالنسبة للذين لم يحصلوا على الإعدادية وقد أجروا لهم امتحاناً، أعتقد أنه كان شكلياً، للالتحاق بالمعهد الذي كان يبحث عن تلاميذ بأي شكل..  ولذلك قبلوا كل من تقدم مهما كان مستواه، حتى لو لم يفك الخط!

وكانت ملابس تلاميذ هذا المعهد غريبة علينا في ذلك الوقت.. فكنا نحن في المدارس العادية نرتدي في الابتدائي المرايل بلونها البني الفاتح من لون الشاي باللبن،وفي الاعدادي البنطلون والقميص، وغالبا كان القميص أبيض والبنطلون أسود.. ولكن مع أول يوم دراسة بالمعهد وجدنا في الشارع أفواجاً من التلاميذ يرتدون « الجبة والقفطان والعمة الحمراء» وكان منظرهم مثيرًا للسخرية.. فقد اعتدنا أن نرى هذه الملابس يرتديها « الفقي» أو قارئ القرآن الكريم، لا أطفال بأجساد صغيرة تختفي داخل « الجبة والقفطان أو الكاكولا» وتحت « العمة الحمراء».. وكانوا جميعا يضعون «الجبة والعمة » في شنطة الكتب عندما يخرجون من المعهد في نهاية اليوم وكأنهم طلاب عاديون حتى لا يتعرضوا للتعليقات الساخرة من الناس في الشارع..!

ومرت السنوات، وكانت المفاجأة الكبيرة، هي قبول كليات الأزهر كل خريجي الثانوية من هذا المعهد بدون مجموع.. وكان دخول كلية الطب في جامعة الأزهر بمجموع درجات لا يزيد على 55 أو 60 %،في الوقت الذي كانت فيه كليات طب قصر العيني وإسكندرية وأسيوط تقبل بمجموع لا يقل عن 85%، وكان من يحصل على هذا المجموع أيامها يعتبر من العباقرة!!.. بينما كان خريجو الثانوية الازهرية، يدخلون اية كلية بأقل مجموع وبعضهم يقرأ ويكتب بالعافية، وهذه حقيقة وليس تجنياً عليهم.. وقد عشت بنفسي واقعة مضحكة مع صديق كان وقتها في كلية طب أسيوط.. وكان طلاب الثانوية الأزهرية في هذا المعهد يرسلون له أسئلة امتحان اللغة الإنجليزية، وينتظرون منه الإجابات وهم داخل لجان الامتحان.. والمشكلة التي حدثت أنه كتب باللغة الانجليزية في نهاية ورقة الإجابات التي أرسلها لهم مع تمنيات فلان الفلاني بالنجاح.. ولم يتصور أن يكتب الطلاب هذه الجملة.. ولكن الطلاب كتبوها في ورقة الإجابة الرسمية على أنها من ضمن الإجابات.. لأنهم كانوا يرسمون الإجابة ولا يكتبونها!

بالطبع، ليسوا كل طلاب هذا المعهد أو المعاهد الأخرى، على هذا المستوى، فمن المؤكد أن معظمهم من الطلاب والخريجين المجتهدين والمتفوقين.. ولكن أردت توضيح ملابسات البداية في نهاية الستينيات، وما أفضت إليه من نتائج، والتي من المؤكد تكررت في كل المحافظات والمدن.. وكان الرئيس عبد الناصر،أصدر بعد نحو ألف عام من إنشاء الأزهر (359هـ-971م)،قانون إعادة تنظيم الأزهر في 5 من يوليو سنة1961.. وبمقتضاه أنشئت جامعة الأزهر، التي ضمت عددًا من الكليات العلمية لأول مرة  ،وفتحت أبواب الدراسة للفتيات المسلمات بإنشاء كلية للبنات لدراسةالطب والتجارة والعلوم والدراسات العربية والإسلامية والدراسات الإنسانية.. ولذلك تم التوسع في إنشاء المعاهد الازهرية للمراحل الابتدائية والثانوية في كل المحافظات لإيجاد طلاب، بأي مستوى، يدخلون هذه الجامعة الجديدة، ويملؤون كلياتها الفارغة!

وهذا يعني.. أننا أمام مؤسسة دينية عمرها حوالي 1047 سنة بالميلادي، و1081 بالهجري، بناها الفاطميون على المذهب الشيعي وظلت هكذا لمدة (200) سنة، وأطلقوا عليها الأزهر نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله، ولما تولى صلاح الدين الأيوبي حكم مصر (عام 567 هـ الموافق 1171م) تحولت إلى المذهب السني، ويقال إن الأيوبي أغلقه مائة عام، وفي رواية أخرى لم تُلق فيه خطبة الجمعة لمدة مائة عام.. وما يهمنا في كل ذلك أن عمر جامعة الأزهر العلمية ليس سوى 57 سنة منذ إنشائها عام 1961م.. فكيف نتصوّر، أن مؤسسة ظلت دينية لحوالي (1000) سنة يمكن أن تحمل لواء تجديد الخطاب الديني؟!