رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

لا ينكر غلاة المؤيدين لـ«عبدالناصر» أن الإعلام فى عهده عانى من قيود بالغة القسوة على حرية تدفق الأخبار، ولا ينكر منصف - مهما بلغ عداؤه لـ«عبدالناصر» - أن الإعلام المصرى عامة والإذاعة بشكل خاص حقق قدراً هائلاً من ثقة الجماهير فى الدول العربية والأفريقية وحقق قدراً معقولاً من الثقة وفى قطاعات من المثقفين المصريين، فكيف نفسر هذا التناقض؟

أولاً: كان الإعلام المتاح للقارئ والمستمع المصرى من صحف وإذاعة يخضع لرقابة صارمة تمنع تماماً نشر أو بث الأخبار السياسية التى ترى السلطة السياسية حجبها عن الجماهير، وكان من السهل مصادرة أى صحف مطبوعة فى الخارج وبها بعض هذه الأخبار أو الموضوعات السياسية التى لا ترضى عنها السلطة الحاكمة.. أما الإذاعات التى تبث باللغة العربية من خارج مصر، فكان التشويش على موجهاتها أمراً سهلاً.

ثانياً: يختلف الأمر مع الإعلام الموجه للدول العربية والأفريقية، واعتمد هذا الإعلام على البث الإذاعى القادر -فى ذلك الوقت- على الوصول إلى الجماهير بسهولة مع انتشار أجهزة الترانزستور.

وسمح لهذا الإعلام الموجه لخارج مصر باللغة العربية «صوت العرب» والموجه للبلاد الأفريقية باللغات المحلية للعديد من هذه الدول، سمح لهذه الإذاعات بالتدفق الحر للأخبار المحجوبة عن شعوب تلك البلاد، بالإضافة لخطاب عاطفى يستثير العواطف الوطنية ضد قوى الاستعمار، التى كانت جيوشها تحتل هذه البلاد.

كما استضافت هذه الإذاعات رموز المعارضة وزعماء المقاومة ليخاطبوا جماهير تلك البلاد عبر أثير القاهرة.

وهكذا حقق صوت العرب والبرامج الموجهة إلى أفريقيا نجاحات باهرة وكسب ثقة الجماهير فى تلك البلاد.

بعد رحيل قوات الاستعمار عام 1961، تراجع تأثير هذا الإعلام الموجه وأدرك «عبدالناصر» أن الظروف تغيرت، وأن القيود الثقيلة على الإعلام تفقده ثقة الجماهير، وأدرك الرجل أن «الحرية» هى المفتاح السحرى لإعلام مؤثر.

وحاول ترجمة هذا التوجه الجديد بتكليف فريق عمل كان لى شرف تولى مسئوليته لنبدأ فى بث إذاعى يتمتع بسقف حرية مرتفع ويلتزم بالمعايير المهنية للإعلام.

وتمت الاستعدادات العملية فعلاً، وبدأ البث التجريبى على موجات إذاعة الشرق الأوسط فى فترة الظهيرة وتم تسجيل اللحن المميز لهذه الإذاعة «كل أخ عربى أخى»، بتوزيع الموسيقار أندريه رايدر، واستقر الاختيار على اسم الإذاعة «الطليعة العربية»، على أن تبدأ البث الرسمى فى أعياد ثورة يوليو عام 1967م، ووقعت الهزيمة قبيل بدء البث وأجهض المشروع.

ما يعنينى هنا التأكيد على أن من يتصور أن إعلام «عبدالناصر» خاصة فى فترة القيود الثقيلة على حرية الإعلام هو النموذج الذى يصلح الآن مخطئ تماماً، فحتى «عبدالناصر» اكتشف خطأ القيود وكان يخطط لإعلام يتمتع بحرية معقولة إدراكاً منه أن أى إعلام لن يكسب ثقة الجماهير إلا إذا توفرت له الحرية الحقيقية، كما أن هذا العصر أضاف ظرفاً آخر بالغ الأهمية، وهو عدم القدرة على حجب تدفق الأخبار فى ظل التطور التكنولوجى الهائل.