رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كلمة عدل

 

 

نستكمل الحديث عن سقراط أحد الأشخاص الذين غيروا وجهة التاريخ على الأرض.فقد امتهن «سقراط» مهنة نحت الصخور عن والده. ولقد كان هناك اعتقاد فى العصور القديمة بأن «سقراط» نحت تماثيل ربات القدر الثلاث التى ظلت موجودة بالقرب من معبد «أكروبوليس» حتى القرن الثانى بعد الميلاد، ولكن لم يصدق العلم الحديث على صحة هذا الاعتقاد. وتشير العديد من حوارات «أفلاطون» إلى الخدمة العسكرية التى أداها «سقراط». يقول «سقراط» إنه خدم فى الجيش الأثينى خلال ثلاث معارك، وهى بوتيديا وأمفبوليس وديليوم. وفى حوار «المأدبة»، وصف «ألكيسيبياديس» شجاعة وبسالة «سقراط» فى معركتى «بوتيديا» و«ديليوم» وذكر كيف أن «سقراط» أنقذ حياته فى معركة «بوتيديا» كما ورد الأداء الرائع الذى أداه «سقراط» فى معركة «ديليوم» ضمن حوار «لاكاس». وفى حوار «دفاع سقراط»، يقارن «سقراط» بين خدمته العسكرية ومعاناته التى واجهها فى قاعة المحكمة ويقول إنه إذا كان هناك فى هيئة المحلفين من يعتقد أنه يجب أن ينسحب ويتخلى عن الفلسفة، فينبغى لهذا الشخص أن يفكر أيضًا فى أنه لابد للجنود أن تنسحب من المعركة عندما يبدو لهم أنهم سيُقتلون فيها. وكان «سقراط» عضوًا فى مجلس الشيوخ اليونانى وكان قومه - قوم Antiochis - هى التى عقدت مجلس المحاكمة فى اليوم الذى شهد إعدام الجنرالات الذين شاركوا فى معركة أرجنوسى لأنهم تخلوا عن القتلى والناجين من السفن الغارقة من أجل مطاردة الأسطول الإسبارطى المنهزم واللحاق به. وكان «سقراط» أحد الأعضاء الرئيسيين بالمجلس وعارض المطلب غير الدستورى الذى اقترحه «كاليكسنيس» بعقد محاكمة جماعية لإدانة جميع الجنرالات الثمانية. فى آخر الأمر، رفض «سقراط» أن يذعن للتهديدات التى وجهت إليه بأن يتم إلقاؤه فى السجن وأن يتم اتهامه بالتقصير وأعاق التصويت الجماعى حتى انتهى مجلس محاكمته فى اليوم التالى والذى شهد إدانة الجنرالات والحكم عليهم بالإعدام.

لقد عاش «سقراط» فى الفترة الانتقالية فيما بين ازدهار الحكم الاثينى وانهياره حينما هزم أمام مدينة أسبرطة وحلفائها فى معركة البلوبونيز. وفى الوقت الذى سعت فيه مدينة «أثينا» وراء الاستقرار واستعادة مكانتها بعد الهزيمة المخزية التى لحقت بها، ربما قد استمتع الأثينيون بالشكوك التى دارت حول الديمقراطية كصورة فعالة للحكم. ولقد بدا أن «سقراط» من الأشخاص كثيرى الانتقاد للديمقراطية، وقد فسر بعض تلاميذه المحاكمة التى عقدت له كتعبير عن صراع سياسى محتدم.

وعلى الرغم من ادعاء «سقراط» بأنه يبدى الولاء لمدينته لدرجة بلغت تحديه للموت، تعارض كل من سعى «سقراط» وراء الفضيلة والتزامه الصارم بالحقيقة مع النهج الحالى للمجتمع الأثينى وسياساته. لقد أثنى فى حوارات عديدة على «أسبرطة» وهى المنافس الرئيسى لـ «أثينا»، سواءً أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة. ومع ذلك، لقد مثل موقفه كناقد اجتماعى وأخلاقى أكثر المناحى التى تجلت فيها الانتقادات والإساءات التاريخية التى أبداها «سقراط» نحو المدينة. فبدلًا من أن يؤيد الوضع الراهن ويقبل بسيادة الأعمال اللاأخلاقية فى منطقته، عمل «سقراط» على تقويض المفهوم الجماعى الذى انتهجه الآخرون والذى شاع للغاية فى اليونان خلال تلك الفترة، ألا وهو «إن القوة تصنع العدل». ويشير «أفلاطون» إلى «سقراط» بوصفه ذبابة الخيل فى المدينة (فذبابة الخيل تلدغ الخيل فتحثها على القيام بفعل ما، وبالمثل كان «سقراط» يحث «أثينا» على اتخاذ فعل ما عن طريق لدغها بالانتقادات)، لدرجة أنه أرق الحكام وكان يحثهم دائمًا بأنهم يجب عليهم مراعاة تحقيق العدل والسعى وراء الخير. فالأمر بلغ أن محاولاته لتغيير مفهوم العدل الذى ينتهجه الأثينيون كانت السبب وراء الحكم عليه بالإعدام. ووفقًا لما جاء فى حوار «دفاع سقراط» لأفلاطون، بدأت حياة «سقراط» بوصفه «ذبابة الخيل» فى أثينا عندما سأل «كريفون» – وهو صديق «سقراط» – مهبط الوحى فى مدينة «دلفي» هل فى الناس من هو أعقل من سقراط وأكثر حكمة منه؟ فأجاب مهبط الوحى بأنه ما من شخص أكثر حكمة منه. وكان «سقراط» يعتقد بأن ما قاله مهبط الوحى يحوى قدرًا كبيرًا من التناقض، لأنه كان يعتقد أنه ليس لديه أية حكمة على الإطلاق. فقرر أن يحل هذا اللغز بأن يدنو من الرجال الذين كان أهل مدينة «أثينا» يعتبرونهم من الحكماء مثل رجال الدولة والشعراء والصناع المهرة، وذلك لكى يفند رأى مهبط الوحى. وحينما طرح «سقراط» عليهم مجموعة من الأسئلة، توصل إلى أنه فى الوقت الذى كان فيه كل واحد منهم يعتقد أنه ذو شأن وحكيم للغاية فهو فى الحقيقة قليل المعرفة للغاية وغير حكيم على الإطلاق. حينئذ أدرك «سقراط» أن مهبط الوحى كان محقًا فى رأيه، ولأنه أدرك أنه فى حين يعتقد هؤلاء الرجال بأنهم حكماء وهم ليسوا كذلك،عرف أنه هو نفسه غير حكيم على الإطلاق، وبالتالى، ومن هذا التناقض، يكون هو الأكثر حكمة لأنه الوحيد الذى أدرك جهله. للحكمة التناقضية التى توصل إليها «سقراط».

.. وللحديث بقية

رئيس حرب الوفد