رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

لماذا سكن الشعراء مقابرهم؟ رضوا بالصمت والفرجة. انطفأ الشعر في سماوات الثقافة العربية. تضاءل مبدعوه، وانسحب جمهوره رويدا، حتى أنك لا تكاد تذكر قصيدة بعد «متى يعلنون وفاة العرب؟» ولا تكاد تعرف شاعراً بعد محمود درويش.

العامة يضيقون ذرعاً بألغاز الشعر الحُر، وبتيه الحداثة، غير أن الحاجة تبقى ماسة لذلك الفن القديم الأسبق للرواية لدى العرب.

رسم الشعر العربي صراعات وحروباً وفترات عصيبة ووثق لأحداث جسام، وأشعل معارك، ونشر أفكاراً، وبشّر بفلاسفة، ورسّخ قيماً ومبادئ، وثّبّت دولاً وممالك، وشرح علماً.

هل ينسى أحد رغم مرور القرون بيت أبي تمام الشهير في تخليد غزو الخليفة المعتصم لعمورية عندما نصحه المنجمون ألا يفعل، لكنه أمضى جيشه وانتصر ليكتب الشاعر «السيف أصدق إنباء من الكُتبِ/ في حده الحد بين الجد واللعب».

ألم نُكرر عبر السنين أجيالاً بعد أخرى وصف إمرؤ القيس الشهير للحصان وهو يقول « مكرٍ. مفرٍ. مُقبلٍ. مُدبرٍ معا / كجلمود صخرٍ حطه السيل من علِ».

وحتى في شعر التفعيلة في العصر الحديث يحفظ البعض أبيات قصائد «لا تصالح» و«كلمات سبارتكوس الأخيرة» لأمل دنقل، و«الناس في بلادي» لصلاح عبد الصبور، و«مديح الظل العالي» لمحمود درويش، غير أن أحداً لا يذكر شعر التاليين ولا يستشهد بقصيدة من قصائد الشعر الحر، رغم وجود قامات إبداعية جميلة.

هل المشكلة في الشعراء أم في ذائقة الجمهور أم في صيحة جابر عصفور الصادمة بداية التسعينيات «إنه زمن الرواية» ؟؟ 

أم المشكلة في ثيمات شعرية مخاصمة للواقع ومتعالية عن هموم الناس مثل أن يتحدث أحدهم إلى حبة عدس، أو يهيم آخر في فلوات الفلسفة العبثية؟

يقينا لا أعتقد أن الشعر سيذوي ولا أتمنى أن يتدثر الشعراء بالصمت والفرجة على حوادث وتحولات يشهدها الواقع العربي للمرة الأولى. لا السكنى فوق قمم الجبال الخيالية مُجدى ولا النظر بعين التعال يتسق مع ما تحاصرنا من فضائح.

ورغم العتمة، أتفاءل بنوبات شعرية جميلة مختلطة بمآسي الإنسان، وأقف مشدوها ومنبهراً، وأنا أقرأ قصيدة للشاعر الجميل فخري رطروط يقول فيها:

«ما أمنياتي الأخيرة؟

أن تختفي الحدود بين الدول في ليلة شديدة السواد.

أن تستخدم أوراق جوازات السفر لكتابة القصائد.

أن تعيش البطاريق في البلدان الاستوائية.

أن يظل المطر طوال العام.

أن يتم طبع صور الشعراء بدل الرؤساء على أوراق العملة.

أن تغلق حدائق الحيوانات.

أن أتمدد على خريطة العالم وأقلب خطوط العرض والطول.

أن أضع إفريقيا شمالاً وأوروبا جنوباً.

أن تتحول الجبال إلى أكوام من الأرز والأرغفة.

أن تغلق صالات الكازينوهات وتوزع أموالها على الفقراء.

أن يتوقف الناس عن دفع الضرائب.

أن يخلع المواطنون عدادت الكهرباء.

أن يعود أحد الأموات ليخبرنا عن الوضع هناك».

والله أعلم.

[email protected]