رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

ربما لم يكن من الواجب نشر حديثى هذا على الملأ باعتباره «حديث خرافة»، وأن الإتهامات ستنهال على كاتبه بأنه مروج للأكاذيب، ولهذا سأتقبل أي إتهامات من القراء مهما كانت لأنهم معذورون فيما قد يقولون. يتعلق الأمر بسعر تذكرة مترو الأنفاق الذي تم رفعه مرتين خلال عامين متتالين دون أن يبدو ذلك كافيا. ولهذا خرج علينا الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب منذ أيام، رغم أن الرجل ليس هذا مجاله ولكن يبدو أن موقفه يأتي إنطلاقا من إستشعاره للأزمة، ليؤكد على أن الأمور لن تسير في مسارها الطبيعي إلا بعد تحرير تذكرة المترو.

على مستواي الشخصي، ورغم أن المترو لا يمثل لي أهمية قصوى حيث أنه خارج خط حركتي من وإلى العمل، إهتممت كثيرا بالمسألة ودخلت على «جوجل» وقمت بتحميل كل ما يتعلق بتكلفة التشغيل لأصل إلى «حالة عقلية» تمكنني من تقبل فكرة أن سعر التذكرة، حسب وزارة النقل،  16 جنيها، دون أن أصل إلى جواب شاف!

لهذا لم أدع الفرصة تفوتني حينما التقيت مصادفة أحد قيادات المترو في جلسة خاصة واعتبرت أنني وقعت على فريسة تصورت أنها يمكن أن تساعدني في فهم الأمر أو اللغز. حاول الرجل تهدئة انفعالي وراح يشير إلى أن هناك أمر لا يعلمه الكثيرون ولا يفهمونه. حينما بدوت مصغيا راح يضيف : إن التكلفة كلها في التذكرة الورقية الممغنطة ذاتها والتي تصل إلى 13 جنيها!

شعرت بصعوبة التحكم في نفسي ولولا طبيعة الموقف لقمت من فوري وتشاجرت معه. كان لسان حالي يقول: هل تتصورني مجنون أم عبيط؟ ولسان حاله يقول : لا أتصورك هذا ولا ذاك ولكنها الحقيقة؟ أخذ يشرح لي أن الشريط البني على التذكرة له تكلفة وأن قراءة التذكرة على الماكينة لها تكلفة والمشكلة أن التذكرة – والعهدة على مسئوليته – لا يتم تصنيعها إلا في فرنسا أو أسبانيا، أي نستوردها من الخارج. كان لسان حال ثلاثتنا ممن يستمعون للحديث وكلهم ذوي مستوى عقلي يؤهلهم للتعامل في المجتمع دون أن يودعوا مستشفى الأمراض العقلية، هو التعبير عن الدهشة المصحوبة بأفواه فاغرة!!

 بعقليتي البسيطة كرجل شارع عادي فهمه على قدر حاله، قلت إذن التكلفة الحقيقية للتذكرة 3 جنيهات هي الفرق بين سعر التذكرة الممغنطة والتكلفة الحقيقية. قلت في نفسي أن هناك احتمالات عديدة للأمر منها أنه إما أن هذا المسئول لا يفهم عمله جيدا وأنه فاهم غلط وبالتالي يجب ألا يؤخذ بكلامه. وهذا أمر نفاه بشكل غير مباشر حينما راح يؤكد لنا أنه يتحدث وبكامل قواه العقلية وأن المسألة بديهية لدى قيادات المترو. كان من بين الإحتمالات الأخرى أن هناك جريمة وراء الأمر .. وإلا بماذا تفسر لي كيف يمكن أن يقبل القائمون على هيئة مترو الانفاق أن يتم تحميل الدولة من خلال الدعم الذي تقدمه، أو الراكب المصري المسكين من خلال رفع السعر، أربعة أضعاف التكلفة الحقيقية للتشغيل، باعتبار أن تذكرة المترو الممغنطة تلك لا يجب بأي حال إدراجها في التكلفة؟

بأي منطق وبأي عقل يتم دفع مليارات الجنيهات – آسف مئات المليارات – على مدى أكثر من 30 سنة منذ بدء تشغيل المترو، على تذكرة بالية لا تقدم ولا تؤخر وكان من الممكن إيجاد البدائل المختلفة لها؟ عقلي يقول أنها جريمة مكتملة الأركان رغم أن خبرتي المحدودة في الحياة تمكنني من القول أن الأمر ممكن فبعض الشركات تبيع تكنولوجياتها بسعر رخيص مقابل رفع سعر تكلفة التشغيل بشكل يكبل المستخدم ويضعه أسير لها لا يمكنه الإستغناء عنها.

 خذ هذا المثل فأنت تستطيع أن تشتري طابعة ماركة بالغة الجودة بسعر 500 جنيه، ولا تظهر لك المشكلة إلا بعد أن يفرغ الحبر حيث تكتشف أن سعر خرطوشة الحبر يكاد أن يقترب من سعر الطابعة .. 380 جنيها مثلا. هنا لا يكون أمامك سوى إما شراء خرطوشة جديدة والإستسلام للأمر الواقع أو شراء طابعة جديدة وتجد في النهاية أنه ربما يكون الأفضل شراء الخرطوشة. الأمر ذاته ربما – وأقول ربما – يكون ما حدث مع إدارة المترو .. ولكن إذا كان الأمر يمكن أن ينطلي على فرد فهل يجوز أن ينطلي على دولة؟ أقول لك ممكن .. لو أنك قرأت كتاب « الإغتيال الإقتصادي للأمم» لجون بركنز وهو قرصان اقتصادي كبير لإستوعبت الأمر!

بدأت أتفهم حالة «الأنتخة» والرفاهية التي يعيشها المواطن الفرنسي على حس أموالنا التي تصله منا على مدى أكثر من ربع قرن منا بفعل براءة اختراع لم نحاول أن نصل لمثيل له.  سألت نفسي إذا كانت إيران نجحت في سرقة تكنولوجيا القنبلة النووية، فألم يكن المصريون بقادرين على التوصل إلى تكنولوجيا طباعة تذكرة المترو؟ وإذا كان عمرو أديب صدع أدمغتنا بحافلة اليابان التي بدون سائق فألم يكن من الممكن – وهو أمر ربما يبدو أكثر سهولة -  توفير بديل مناسب لشكل التذكرة؟ بصراحة أشعر أن في الأمر خيبة أمل كبيرة وجريمة «إهمال» – إذا حسنت النوايا - أكبر لا يجب أن ندفع نحن ثمنها؟ وأن نبحث عن وقفها بكافة السبل؟

ملحوظة: مستعد للإعتذار الكامل عن كلامي إذا ثبت أنه خطأ وشابه قدر من عدم الدقة، ورغم أن الكاتب لا يتمنى أن يكون على خطأ فإنني أدعو الله من كل قلبي ألا أكون على صواب!!!

[email protected]