رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحوال مصرية

جلست على مقهى الفيشاوى ونجيب محفوظ فى حى الجمالية كثيراً، وكنت ضيفاً دائماً على مقهى ريش وزهرة البستان فى وسط القاهرة بحثاً عن فكرة أو فى انتظار صديق أو صديقة، وترددت كثيراً على مقاهى أشهر فنادق القاهرة مثل شيراتون وهيلتون «سابقاً» و«سميراميس» و«شبرد» فى ميدان التحرير، لكنى لم أنس أبداً مقهى أبوالروس فى حى السوق الفوقانى فى قنا، حيث يمتاز هذا المقهي بأنه مقهى الزبون الواحد ـ صاحبه قناوى ـ أصيل يدعى ابوالروس، قليل الكلام كثيرا الي حد الصمت المطبق، يشبه الى حد كبير بائع الفول فى فيلم الكيت كات الذى نادى عليه الفنان محمود عبدالعزيز الكفيف فى الفيلم ساعة الفجرية بعد سهرة حشيش فلم يرد عليه فعرف أن أجله قد حان وانه توفى منذ لحظات فرثاه بحمله على عربة الفول ليدفنه فى احدى المقابر المجاوة فى مشهد جنائزى حزين.

أبوالروس رجل عجوز محنى الظهر لديه عيب خلقى فى قدميه يجعله يتعثر فى مشيه، والمقهى الذى يملكه أثرى بحق، كأنه تراث من الماضى كله سواد فى سواد، فيه موقد لأحجار شيشة المعسل ووابور جاز قديم لزوم عمل الشاى وسيبرتاية لإعداد القهوة لزبائنه القليلين جداً. يتصدر هؤلاء الزبائن جدى الراحل يس أبوالسعود، والذى اختار مقهى أبوالروس مكاناً ثابتاً له، كنت أشاهده دوماً يجلس على دكة وحيدة فى المقهى ساهماً فى شرود فى انتظار صديق أو لالتقاط الانفاس وتدخين حجر معسل وشرب القهوة السادة التى يفضلها، ثم يستأنف قضاء مشاويره.

لم أر أبوالروس يتكلم أبداً مع أحد، المرة الوحيدة التى شاهدته فيها يغلق المقهى ويتكلم يوم وفاة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، يومها تم تنظيم جنازات رمزية لكل الطوائف والمهن، فى قنا تحمل صور عبدالناصر فى مشهد جنائزى حزين، رأيت أبوالروس يحمل صورة الزعيم ويبكي بحرقة حزناً على فقيد مصر والعرب، حاولت ان أعرف سر حزنه على الزعيم الراحل الا انه لم يتكلم ابداً كل ما فعله هو البكاء فى صمت.

فى المرات القليلة التى تكلمت فيها مع أبوالروس كان يرد باختصار!! جدك يس كان هنا أو... لا ليس موجوداً.. أو انتظره انه قادم فى الطريق.. ثم يقدم لى كوب الشاى ويذهب الى ركنه القصي فى المقهى يجتر الأحزان والذكريات.. رحم الله أبوالروس وأسكنه فسيح جناته.